للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، لِأَنَّ الْمُطْلَقَ هُنَا فِيهِ التَّصْرِيحُ بِجَوَازِ الْمَسْحِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ لِلْمُسَافِرِ، وَالْمُقِيمِ، وَالْمُقَيَّدُ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِمَنْعِ الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثِ لِلْمُسَافِرِ وَالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِلْمُقِيمِ ; فَهُمَا مُتَعَارِضَانِ فِي ذَلِكَ الزَّائِدِ، فَالْمُطْلَقُ يُصَرِّحُ بِجَوَازِهِ، وَالْمُقَيَّدُ يُصَرِّحُ بِمَنْعِهِ، فَيَجِبُ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، فَتُرَجَّحُ أَدِلَّةُ التَّوْقِيتِ بِأَنَّهَا أَحْوَطُ، كَمَا رَجَّحَهَا بِذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَبِأَنَّ رُوَاتَهَا مِنَ الصَّحَابَةِ أَكْثَرُ، وَبِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُتَقَدِّمُ.

وَقَدْ تَرْجَّحَ أَدِلَّةُ عَدَمِ التَّوْقِيتِ بِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ زِيَادَةً، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ، وَبِأَنَّ الْقَائِلَ بِهَا مُثْبِتٌ أَمْرًا، وَالْمَانِعُ مِنْهَا نَافٍ لَهُ، وَالْمُثْبِتُ أَوْلَى مِنَ النَّافِي.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ -: وَالنَّفْسُ إِلَى تَرْجِيحِ التَّوْقِيتِ أَمْيَلُ ; لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الْخِلَافِ أَحْوَطُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: [الرَّجَزُ]

إِنِ الْأَوْرَعَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ ... خِلَافِهِمْ وَلَوْ ضَعِيفًا فَاسْتَبِنْ

وَقَالَ الْآخَرُ: [الرَّجَزُ]

وَذُو احْتِيَاطٍ فِي أُمُورِ الدِّينِ ... مَنْ فَرَّ مَنْ شَكٍّ إِلَى يَقِينِ

وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» .

فَالْعَامِلُ بِأَدِلَّةِ التَّوْقِيتِ طَهَارَتُهُ صَحِيحَةٌ بِاتِّفَاقِ الطَّائِفَتَيْنِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ تَقُولُ بِبُطْلَانِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالتَّوْقِيتِ اخْتَلَفُوا فِي ابْتِدَاءِ مُدَّةِ الْمَسْحِ.

فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُمَا، وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَدَاوُدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ، إِلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ مُدَّةِ التَّوْقِيتِ مِنْ أَوَّلِ حَدَثٍ يَقَعُ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.

وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِزِيَادَةٍ رَوَاهَا الْحَافِظُ الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْمُطَرِّزُ فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ: مِنَ الْحَدَثِ إِلَى الْحَدَثِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» : وَهِيَ زِيَادَةٌ غَرِيبَةٌ لَيْسَتْ ثَابِتَةً.

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِالْقِيَاسِ وَهُوَ أَنَّ الْمَسْحَ عِبَادَةٌ مُؤَقَّتَةٌ، فَيَكُونُ ابْتِدَاءُ وَقْتِهَا مِنْ حِينِ جَوَازِ فِعْلِهَا قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>