للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ : إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي إبَاقِ الْكَبِيرِ يَحْلِفُ مَا أَبَقَ مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ فِي الصِّغَرِ لَا يُوجِبُ رَدَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ. .

التَّحْلِيفَ شُرِعَ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ لَا لِإِثْبَاتِهَا، وَهُنَا لَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ يَحْدُثُ بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ أُخْرَى، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّ تَوَجُّهَ الْيَمِينِ هُوَ مِنْ الْخُصُومَةِ فَبِهَا تَنْتَهِي خُصُومَةٌ لَا تَنْدَفِعُ، وَكَثِيرًا مَا يَتَرَتَّبُ خُصُومَاتٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ يَكُونُ مُنْتَهَى بَعْضِهَا مَبْدَأَ أُخْرَى، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْوَجْهِ الْحَلِفُ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ فَنَقُولُ: إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالصَّحِيحَةِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهَا الْجَوَابَ فَهَذِهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ وُجِدَ عِنْدَهُ عَيْبٌ فِي الْمَبِيعِ وَقَدْ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَاضِيَ يَطْلُبُ جَوَابَهُ عَنْهُ: أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ فَإِنْ اعْتَرَفَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ رُدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُ عِنْدَهُ وَاعْتَرَفَ بِوُجُودِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا حَلَفَ إلَى آخِرِهِ أَوْ اعْتَرَفَ بِوُجُودِهِ عِنْدَهُ وَأَنْكَرَ وُجُودَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَكُلُّ ذَلِكَ فَرْعُ إلْزَامِهِ بِالْجَوَابِ بِأَحَدِ هَذِهِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يُوجِبُونَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ عَلَى عَدَمِهِ عِنْدَهُ حَتَّى تَثْبُتَ الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى وَهُوَ وُجُودُهُ؛ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ عَلَى ذَلِكَ لَا يُفِيدُ مَقْصُودَ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ إنْ لَمْ يُثْبِتْ عَوْدَهُ عِنْدَهُ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَائِدَتُهُ إلَّا بَعْدَهُ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يَكْفِي لِلرَّدِّ وُجُودُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقَطْ كَوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ وَكَوْنِهَا وَلَدَ زِنًا حَلَفَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ دَعْوَى الْعَيْبِ وَدَعْوَى الدَّيْنِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتَدْعِي جَوَابًا بِمَا يَلِيقُ بِالْحَالِ وَإِنَّ تَكْلِيفَ الْفَرْقِ مَعَ ضَعْفِهِ عَلَى أَنَّ الْخُصُومَةَ هُنَاكَ تَتَّجِهُ قَبْلَ إثْبَاتِ الدَّيْنِ، وَهُنَا لَا تَتَّجِهُ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِ الْعَيْبِ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا هَذِهِ خُصُومَةٌ الْغَرَضُ مِنْهَا رَدُّ الْمَبِيعِ وَتِلْكَ خُصُومَةٌ الْغَرَضُ مِنْهَا رَدُّ الدَّيْنِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَدْعِي الْجَوَابَ، فَكَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيبَ هُنَا بِإِنْكَارِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا رَأْسًا كَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُجِيبَ بِإِنْكَارِ الدَّيْنِ رَأْسًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ قَطُّ، ثُمَّ كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ دُخُولَ الْعَيْبِ فِي الْوُجُودِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ كَذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ دُخُولَ الدَّيْنِ فِي الْوُجُودِ كَذَلِكَ، وَإِذَا ثَبَتَ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ طَالَبَهُ بِرَدِّهِ إلَيْهِ، فَكَذَلِكَ فِي الْعَيْبِ يُطَالِبُهُ بِرَدِّ الثَّمَنِ وَرَدِّهِ، فَإِذَا تَأَمَّلْت لَا فَرْقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فَالْوَجْهُ مَا قَالَا مِنْ إلْزَامِ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ وَنَفْيِ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَ الْبَعْضُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ الْمَالُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ، وَكَوْنُهُ بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ لَا يَثْبُتُ الْمَالُ إلَّا بَعْدَ يَمِينٍ أُخْرَى عَلَى وُجُودِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَوَقَّفَ ثُبُوتُ الْحَلِفِ عَلَى أَمْرَيْنِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إثْبَاتِ كُلٍّ مِنْهُمَا، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ : (قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ) يَعْنِي نَفْسَهُ.

(إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي إبَاقِ) الْعَبْدِ (الْكَبِيرِ يَحْلِفُ) الْبَائِعُ (مَا أَبَقَ) عِنْدِي (مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ)؛ لِأَنَّهُ عَسَاهُ أَبَقَ عِنْدَهُ فِي الصِّغَرِ فَقَطْ ثُمَّ أَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الرَّدَّ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْحَلِفَ مَا أَبَقَ عِنْدَهُ قَطُّ أَضْرَرْنَا بِهِ وَأَلْزَمْنَاهُ مَا لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ لَمْ يَحْلِفْ أَصْلًا أَضْرَرْنَا بِالْمُشْتَرِي فَيَحْلِفُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا فِي كُلِّ عَيْبٍ يُدَّعَى وَيُخْتَلَفُ فِيهِ الْحَالُ فِيمَا قَبْلَ الْبُلُوغَ وَبَعْدَهُ، بِخِلَافِ مَا لَا يَخْتَلِفُ كَالْجُنُونِ، وَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا كَيْفِيَّةُ تَرْتِيبِ الْخُصُومَةِ فِي عَيْبِ الْإِبَاقِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ كُلُّ عَيْبٍ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّجْرِبَةِ وَالِاخْتِبَارِ كَالسَّرِقَةِ وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالْجُنُونِ وَالزِّنَا، وَبَقِيَ أَصْنَافٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا قَاضِي خَانْ هِيَ مَعَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>