وَلَهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ أَنَّ الْحَلِفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَلَيْسَتْ تَصِحُّ إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا فِيهِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ. وَإِذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عِنْدَهُمَا يَحْلِفُ ثَانِيًا لِلرَّدِّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ. .
الْغَيْرِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالِفُ مُدَّعِيًا الْعِلْمَ بِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ مُدَّعِيًا فَلَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودِعَ إذَا ادَّعَى قَبْضَ الْمُودَعِ لَهَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ.
وَقِيلَ لَيْسَ حَاصِلُهُ فِعْلُ الْغَيْرِ بَلْ فِعْلُ نَفْسِهِ وَهُوَ تَسْلِيمُهُ سَلِيمًا، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ فَإِنَّ مَعْنَى تَسْلِيمِهِ سَلِيمًا لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ السَّلَامَةُ فِي حَالِ التَّسْلِيمِ بَلْ بِمَعْنَى سَلَامَتِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ السَّرِقَةَ عِنْدِي فَيَرْجِعُ إلَى الْحَلِفِ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ.
وَأُورِدَ عَلَى الْأَوَّلِ مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا مَا لَوْ بَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا مِنْ آخَرَ صَفْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَوَرِثَهُ الْبَائِعُ الْآخَرُ ثُمَّ ادَّعَى الْمُشْتَرِي عَيْبًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي نَصِيبِهِ بِالْجَزْمِ، وَفِي نَصِيبِ مُوَرِّثِهِ بِالْعِلْمِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَنَّهُ يَدَّعِي الْعِلْمَ بِانْتِفَاءِ الْعَيْبِ، الثَّانِيَةُ إذَا بَاعَ الْمُتَفَاوِضَانِ عَبْدًا وَغَابَ أَحَدُهُمَا فَادَّعَى الْمُشْتَرِي عَيْبًا يَحْلِفُ الْحَاضِرُ عَلَى الْجَزْمِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ وَعَلَى الْعِلْمِ فِي نَصِيبِ الْغَائِبِ مَعَ ادِّعَائِهِ عِلْمًا بِذَلِكَ كَمَا قُلْنَا انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ يُشْكِلَ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ فِي نِصْفِهِ عَلَى الْعِلْمِ، وَفِي نِصْفِهِ الْآخَرِ عَلَى الْبَتَاتِ وَهُوَ وَاحِدٌ: أَعْنِي الْعَيْبَ فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ هُوَ الْمُشْكِلُ، فَالْوَجْهُ مَا ذَكَرْنَا، وَالْمَسْأَلَتَانِ مُشْكِلَتَانِ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ كَانَ عِلْمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى النِّصْفَيْنِ أَوْ جَهْلُهُ كَانَ أَيْضًا كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ عِنْدَ كُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مُدَّةً فَيَحْلِفُ هَذَا الْوَارِثُ عَلَى الْبَتَاتِ فِي مُدَّتِهِ مَا أَبَقَ عِنْدِي، وَعَلَى الْعِلْمِ فِي مُدَّةِ شَرِيكِهِ مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَ شَرِيكِي، فَلْيَكُنْ مَحْمَلُهُمَا ذَلِكَ.
وَعَلَى هَذَا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ إقَامَةُ الْعَبْدِ إلَّا عِنْدَ هَذَا الشَّرِيكِ لَا يَحْلِفُ إلَّا عَلَى الْبَتَاتِ وَيَكْتَفِي بِذَلِكَ، إلَّا أَنَّ هَذَا غَيْرَ مَعْلُومٍ فَيَحْلِفُ كَمَا ذَكَرُوا، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ إقَامَتُهُ إلَّا عِنْدَ الَّذِي مَاتَ لَا يَحْلِفُ إلَّا عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى وَصْفَ السَّلَامَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مِمَّا تَطَارَحْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْبَقْ عِنْدَ الْبَائِعِ وَأَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَكَانَ أَبَقَ عِنْدَ آخَرَ قَبْلَ هَذَا الْبَائِعِ، وَلَا عِلْمَ لِلْبَائِعِ بِذَلِكَ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي ذَلِكَ، وَأَثْبَتَهُ يَرُدُّهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعِيبٌ، وَالْعَقْدُ أَوْجَبَ عَلَى هَذَا الْبَائِعِ السَّلِيمَ، وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إثْبَاتِهِ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى الْعِلْمِ، وَكَذَا فِي كُلِّ عَيْبٍ يُرَدُّ بِتَكَرُّرِهِ، وَجْهُ قَوْلِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْخِلَافِ وَهُوَ (مَا قَالَهُ الْبَعْضُ أَنَّ الْحَلِفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَلَيْسَتْ تَصِحُّ إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا فِيهِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ) وَإِذَا نَكَلَ الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (يَحْلِفُ ثَانِيًا لَزَادَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ)؛ لِأَنَّهُ بِنُكُولِهِ أُنْزِلَ مُقِرًّا بِوُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَتَوَجَّهَتْ الْخُصُومَةُ فِيهِ فَيَحْلِفُ عَلَى أَنَّهُ مَا وُجِدَ عِنْدَهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا.
وَقَوْلُهُ الْحَلِفُ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ قِيلَ يُفِيدُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا يَلْزَمُ تَرَتُّبُهَا عَلَيْهَا بَلْ تَكُونُ بِلَا دَعْوَى أَصْلًا فِي الْحُدُودِ، وَكَذَا عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ أَوْ وَارِثٌ وَلَا دَعْوَى أَصْلًا فَفِي دَعْوَى غَيْرِ صَحِيحَةٍ أَوْلَى، وَفِي الْكَافِي: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُحَلَّفُ؛ لِأَنَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute