وَالرَّمَلُ مَا شُرِعَ إلَّا مَرَّةً فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ (وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ) لِأَنَّ خَتْمَ كُلِّ طَوَافٍ بِرَكْعَتَيْنِ فَرْضًا كَانَ لِلطَّوَافِ أَوْ نَفْلًا لِمَا بَيَّنَّا. قَالَ (وَقَدْ حَلَّ لَهُ النِّسَاءَ) وَلَكِنْ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ إذْ هُوَ الْمُحَلَّلُ لَا بِالطَّوَافِ، إلَّا أَنَّهُ أَخَّرَ عَمَلَهُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ.
قَالَ (وَهَذَا الطَّوَافُ
ذَلِكَ الطَّوَافِ بِسَبَبِ أَنَّهُ فِي إحْرَامِ عِبَادَةٍ اقْتَضَتْ وُقُوعَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يُشْرَعُ غَيْرُهُ كَمَنْ سَجَدَ فِي إحْرَامِ الصَّلَاةِ يَنْوِي سَجْدَةَ شُكْرٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ تِلَاوَةٍ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ تَقَعُ عَنْ سَجْدَةِ الصَّلَاةِ لِذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقِ فَكَانَ مُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى نِيَّةٍ أَصْلًا كَسَجْدَةِ الصَّلَاةِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ هَذَا الرُّكْنُ لَا يَقَعُ فِي مَحْضِ إحْرَامِ الْعِبَادَةِ الَّذِي اقْتَرَنَ بِهِ النِّيَّةُ بَلْ بَعْدَ انْحِلَالِ أَكْثَرِهِ وَجَبَ لَهُ أَصْلُ النِّيَّةِ دُونَ التَّعْيِينِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. وَاعْلَمْ أَنَّ دُخُولَ الْبَيْتِ مُسْتَحَبٌّ إذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا، ثَبَتَ دُخُولُهُ ﵊ إيَّاهُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ، وَأَنَّهُ دَعَا وَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ ﵊ «مَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ دَخَلَ فِي حَسَنَةٍ وَخَرَجَ مِنْ سَيِّئَةٍ مَغْفُورًا لَهُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ مُصَلَّاهُ ﵊، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ ﵁ إذَا دَخَلَهَا مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، ثُمَّ يُصَلِّي يَتَوَخَّى مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: عَجَبًا لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ إذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ كَيْفَ يَرْفَعُ بَصَرَهُ قِبَلَ السَّقْفِ يَدَّعِ ذَلِكَ إجْلَالًا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِعْظَامًا، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا خَلَفَ بَصَرُهُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا، وَكَانَ الْبَيْتُ فِي زَمَنِهِ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ وَلَيْسَتْ الْبَلَاطَةُ الْخَضْرَاءُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ مُصَلَّاهُ ﵊، فَإِذَا صَلَّى إلَى الْجِدَارِ يَضَعُ خَدَّهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُ وَيَحْمَدُ ثُمَّ يَأْتِي الْأَرْكَانَ فَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مَا شَاءَ وَيَلْزَمُ الْأَدَبَ مَا اسْتَطَاعَ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَمَا تَقُولُهُ الْعَامَّةُ مِنْ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَهُوَ مَوْضِعٌ عَالٍ فِي جِدَارِ الْبَيْتِ بِدْعَةٌ بَاطِلَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا. وَالْمِسْمَارُ الَّذِي وَسَطَ الْبَيْتِ يُسَمُّونَهُ سُرَّةَ الدُّنْيَا يَكْشِفُ أَحَدُهُمْ سُرَّتَهُ وَيَضَعُهَا عَلَيْهِ فِعْلُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ فَضْلًا عَنْ عِلْمٍ
(قَوْلُهُ مَا شَرَعَ إلَّا مَرَّةً فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ) لِأَنَّهُ ﵊ إنَّمَا سَعَى فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ: أَعْنِي عُمْرَةَ الْقَضَاءِ وَالْعُمْرَةِ الَّتِي قَرَنَ إلَى حَجَّتِهِ، فَإِنَّهُ ﵊ حَجَّ قَارِنًا عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي بَابِ الْقِرَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا) وَلَمْ يَقُلْ لِمَا رَوَيْنَا: أَعْنِي قَوْلَهُ ﵊ «وَلْيُصَلِّ الطَّائِفُ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ» لِأَنَّهُ ذَكَرَ هُنَاكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute