للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَمَلَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَسَعَى بَعْدَهُ) لِأَنَّ السَّعْيَ لَمْ يُشَرَّعْ إلَّا مَرَّةً

بَلْ يُتِمُّهُ. وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَطُوفَ مُنْتَعِلًا إذَا كَانَتَا طَاهِرَتَيْنِ أَوْ بِخُفِّهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ كَرِهْت لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَالرُّكْنُ فِي الطَّوَافِ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ، فَمَا زَادَ إلَى السَّبْعَةِ وَاجِبٌ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ وَسَنَذْكُرُ مَا عِنْدَنَا فِيهِ.

وَقِيلَ: الرُّكْنُ ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ وَثُلُثَا شَوْطٍ. وَافْتِتَاحُ الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ سُنَّةٌ، فَلَوْ افْتَتَحَهُ مِنْ غَيْرِهِ أَجْزَأَ وَكُرِهَ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الرُّقَيَّاتِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ فَجَعَلَهُ شَرْطًا. وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ وَاجِبٌ لَا يَبْعُدُ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكِ مَرَّةٍ دَلِيلُهُ فَيَأْثَمُ بِهِ وَيُجْزِيهِ.

وَلَوْ كَانَ فِي آيَةِ الطَّوَافِ إجْمَالٌ لَكَانَ شَرْطًا كَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ لَكِنَّهُ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ فَيَكُونُ مُطْلَقُ التَّطَوُّفِ هُوَ الْفَرْضُ، وَافْتِتَاحُهُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبٌ لِلْمُوَاظَبَةِ، كَمَا قَالُوا فِي جَعْلِ الْكَعْبَةِ عَنْ يَسَارِهِ حَالَ الطَّوَافِ أَنَّهُ وَاجِبٌ، حَتَّى لَوْ طَافَ مَنْكُوسًا بِأَنْ جَعَلَهَا عَنْ يَمِينِهِ اعْتَدَّ بِهِ فِي ثُبُوتِ التَّحَلُّلِ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، فَإِنْ رَجَعَ وَلَمْ يُعِدْ فِيهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ: يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُنْشِدَ الشِّعْرَ فِي طَوَافِهِ أَوْ يَتَحَدَّثَ أَوْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ، فَإِنْ فَعَلَهُ لَمْ يَفْسُدْ طَوَافُهُ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ فِيهِ، وَلَا بَأْسَ فِي قِرَاءَتِهِ فِي نَفْسِهِ اهـ.

وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْرَأَ فِي طَوَافِهِ، وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ اللَّهِ. وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الطَّوَافِ، وَلَيْسَ يَنْبُو عَمَّا ذَكَرَ الْحَاكِمُ لِأَنَّهُ لَا بَأْسَ فِي الْأَكْثَرِ لِخِلَافِ الْأَوْلَى، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ فِي الشِّعْرِ بَيْنَ أَنْ يُعَرَّى عَنْ حَمْدٍ أَوْ ثَنَاءٍ فَيُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ يُكْرَهُ فِي الْحَالَيْنِ.

كَمَا هُوَ ظَاهِرُ جَوَابِ الرِّوَايَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَدْيَ النَّبِيِّ هُوَ الْأَفْضَلُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ فِي الطَّوَافِ قِرَاءَةٌ بَلْ الذِّكْرُ وَهُوَ الْمُتَوَارَثُ عَنْ السَّلَفِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى. وَأَمَّا كَرَاهَةُ الْكَلَامِ فَالْمُرَادُ فُضُولُهُ إلَّا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ.

وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُفْتِيَ فِي الطَّوَافِ وَيَشْرَبَ مَاءً إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَلَا يُلَبِّي حَالَةَ الطَّوَافِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَمَنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا أَوْ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَذَلِكَ إنْ كَانَ بِعُذْرٍ جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُعِيدُ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بِلَا إعَادَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّ الْمَشْيَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا، عَلَى هَذَا نَصَّ الْمَشَايِخُ وَهُوَ كَلَامُ مُحَمَّدٍ. وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ قَوْلِهِ الطَّوَافُ مَاشِيًا أَفْضَلُ تَسَاهُلٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ. لَا يُقَالُ: بَلْ يَنْبَغِي فِي النَّافِلَةِ أَنْ تَجِبَ صَدَقَةٌ لِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ وَجَبَ فَوَجَبَ الْمَشْيُ، لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ شُرُوعَهُ لَمْ يَكُنْ بِصِفَةِ الْمَشْيِ وَالشُّرُوعُ إنَّمَا يُوجِبُ مَا شُرِعَ فِيهِ.

وَلَوْ طَافَ زَحْفًا لِعُذْرٍ أَجْزَأَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَبِلَا عُذْرٍ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ أَوْ الدَّمُ. وَلَوْ كَانَ الْحَامِلُ مُحْرِمًا أَجْزَأَهُ عَنْ طَوَافِهِ الْمُوَقَّتِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَرْضًا كَانَ أَوْ سُنَّةً، قِيلَ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ حَمْلَ الْمَحْمُولِ فَلَا يُجْزِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الطَّوَافِ الْوَاقِعِ جُزْءَ نُسُكٍ لَيْسَتْ شَرْطًا، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَنْوِيَ شَيْئًا آخَرَ، وَلِذَا لَوْ طَافَ طَالِبًا لِغَرِيمٍ أَوْ هَارِبًا مِنْ عَدُوٍّ لَا يُجْزِيهِ، بِخِلَافِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَسَنَذْكُرُ الْفَرْقَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَصْلِ الْآتِي.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ طَافَ طَوَافًا فِي وَقْتِهِ وَقَعَ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ يَنْوِيَ أَصْلَ الطَّوَافِ نَوَاهُ بِعَيْنِهِ أَوْ لَا، أَوْ نَوَى طَوَافًا آخَرَ لِأَنَّ النِّيَّةَ تُعْتَبَرُ فِي الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى الْأَدَاءِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَدَاءِ، فَلَوْ قَدِمَ مُعْتَمِرٌ وَطَافَ وَقَعَ عَنْ الْعُمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ حَاجًّا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَقَعَ لِلْقُدُومِ، وَإِنْ كَانَ قَارِنًا وَقَعَ الْأَوَّلُ لِلْعُمْرَةِ وَالثَّانِي لِلْقُدُومِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ إذَا طَافَ فَهُوَ لِلزِّيَارَةِ، وَإِنْ طَافَ بَعْدَ مَا حَلَّ النَّفْرَ فَلِلصَّدَرِ وَلَوْ كَانَ نَوَاهُ لِلتَّطَوُّعِ. قِيلَ لِأَنَّ غَيْرَ هَذَا الطَّوَافِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّعْيِينِ، وَيَلْغُو غَيْرُهَا كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَيَحْتَاجُ إلَى أَصْلِهِمَا.

وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ خُصُوصَ ذَلِكَ الْوَقْتِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ خُصُوصَ

<<  <  ج: ص:  >  >>