وَلَنَا قَوْلُهُ ﵊ فِيهِ «حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ» وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ. وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ﵀ لِأَنَّهُ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ بِالنِّسَاءِ فَيُؤَخَّرُ إلَى تَمَامِ الْإِحْلَالِ
الْمَسْحِ لَيْسَ فِيهِ مَعْنًى يُوجِبُ جَوَازَ قَصْرِهِ عَلَى الرُّبْعِ، وَإِنَّمَا فِيهِ نَفْسُ النَّصِّ الْوَارِدِ فِيهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ بِنَاءً إمَّا عَلَى الْإِجْمَالِ وَالْتِحَاقِ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بَيَانًا أَوْ عَلَى عَدَمِهِ، وَالْمُفَادُ بِسَبَبِ الْبَاءِ إلْصَاقُ الْيَدِ كُلِّهَا بِالرَّأْسِ لِأَنَّ الْفِعْلَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا إلَى الْآلَةِ بِنَفْسِهِ فَيَشْمَلُهَا، وَتَمَامُ الْيَدِ يَسْتَوْعِبُ الرُّبْعَ عَادَةً فَتَعَيَّنَ قَدْرُهُ، لَا أَنَّ فِيهِ مَعْنًى ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالرُّبْعِ أَوْ بِالْبَعْضِ مُطْلَقًا أَوْ تَعَيَّنَ الْكُلُّ، وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي وُجُوبِ حَلْقِهَا عِنْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ لِيَتَعَدَّى الِاكْتِفَاءُ بِالرُّبْعِ مِنْ الْمَسْحِ إلَى الْحَلْقِ، وَكَذَا الْآخَرَانِ، وَإِذَا انْتَفَتْ صِحَّةُ الْقِيَاسِ فَالْمَرْجِعُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْحَةِ وَحَلْقِ التَّحَلُّلِ مَا يُفِيدُهُ نَصُّهُ الْوَارِدُ فِيهِ، وَالْوَارِدُ فِي الْمَسْحِ دَخَلَتْ فِيهِ الْبَاءُ عَلَى الرَّأْسِ الَّتِي هِيَ الْمَحَلُّ فَأَوْجَبَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ التَّبْعِيضَ، وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا، بَلْ الْإِلْصَاقَ، غَيْرَ أَنَّا لَاحَظْنَا تَعَدِّيَ الْفِعْلِ لِلْآلَةِ فَيَجِبُ قَدْرُهَا مِنْ الرَّأْسِ، وَلَمْ يُلَاحِظْهُ مَالِكٌ ﵀ فَاسْتَوْعَبَ الْكُلَّ أَوْ جَعَلَهُ صِلَةً كَمَا فِي ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ﴾ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ، فَاقْتَضَى وُجُوبَ اسْتِيعَابِ الْمَسْحِ. وَأَمَّا الْوَارِدُ فِي الْحَلْقِ فَمِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى ﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ﴾ مِنْ غَيْرِ بَاءٍ.
وَالْآيَةُ فِيهَا إشَارَةٌ إلَى طَلَبِ تَحْلِيقِ الرُّءُوسِ أَوْ تَقْصِيرِهَا وَلَيْسَ فِيهَا مَا هُوَ الْمُوجِبُ لِطَرِيقِ التَّبْعِيضِ عَلَى اخْتِلَافِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀ وَهُوَ دُخُولُ الْبَاءِ عَلَى الْمَحَلِّ.
وَمِنْ السُّنَّةِ فِعْلُهُ ﵊ وَهُوَ الِاسْتِيعَابُ، فَكَانَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ فِي الْحَلْقِ وُجُوبَ الِاسْتِيعَابِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ الَّذِي أَدِينُ لِلَّهِ بِهِ، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ) يُفِيدُ أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ قِيَاسٌ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَصْلَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ قَدْ يُتْرَكُ ذِكْرُهُ كَثِيرًا إذَا كَانَ أَصْلُهُ ظَاهِرًا أَوْ لَهُ أُصُولٌ كَثِيرَةٌ وَهُنَا كَذَلِكَ. وَحَاصِلُهُ: الطِّيبُ مِنْ دَوَاعِي الْمُحَرَّمِ وَهُوَ الْجِمَاعُ فَيَحْرُمُ قِيَاسًا عَلَى الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ فِي الِاعْتِكَافِ وَالِاسْتِبْرَاءِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ لَكِنْ قَدْ اسْتَدَلَّ لِمَالِكٍ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ «مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ إنْ رَمَى الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حُرِّمَ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ حَتَّى يَزُورَ الْبَيْتَ» وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا اهـ. وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ حُكْمُهُ الرَّفْعُ.
وَعَنْ عُمَرَ ﵁ بِطَرِيقٍ مُنْقَطِعٍ أَنَّهُ قَالَ «إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ مَا حُرِّمَ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ» ذَكَرَهُ وَانْقِطَاعَهُ فِي الْإِمَامِ.
وَلَنَا مَا أَخْرَجَ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الْحَسَنِ الْعَرَبِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ فَقَالَ رَجُلٌ وَالطِّيبُ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُضَمِّخُ رَأْسَهُ بِالْمِسْكِ أَفَطِيبٌ هُوَ أَمْ لَا» وَأَمَّا مَا فِي الْكِتَابِ فَهُوَ مَا أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ عَنْهُ ﵊: «إذَا رَمَى أَحَدُكُمْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ فِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَدٍ آخَرَ هُوَ فِيهِ أَيْضًا قَالَ «إذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ وَذَبَحْتُمْ» وَقَالَ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا الْحُجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute