للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَفِي التَّقْصِيرِ بَعْضُ التَّقْصِيرِ فَأَشْبَهَ الِاغْتِسَالَ مَعَ الْوُضُوءِ. وَيَكْتَفِي فِي الْحَلْقِ بِرُبْعِ الرَّأْسِ اعْتِبَارًا بِالْمَسْحِ، وَحَلْقُ الْكُلِّ أَوْلَى اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ . وَالتَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِهِ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ. قَالَ (وَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ) وَقَالَ مَالِكٌ : وَإِلَّا الطِّيبَ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ

الْحَلْقِ قَصْدًا. وَلَوْ تَعَذَّرَ الْحَلْقُ لِعَارِضٍ تَعَيَّنَ التَّقْصِيرُ أَوْ التَّقْصِيرُ تَعَيَّنَ الْحَلْقُ كَأَنْ لَبَّدَهُ بِصَمْغٍ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الْمِقْرَاضُ، وَمَنْ تَعَذَّرَ إجْرَاءُ الْآلَةِ عَلَى رَأْسِهِ صَارَ حَلَالًا كَاَلَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسْحِ رَأْسِهِ فِي الْوُضُوءِ لِآفَةٍ.

قَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ عَلَى رَأْسِهِ قُرُوحٌ لَا يَسْتَطِيعُ إجْرَاءَ الْمُوسِي عَلَيْهِ وَلَا يَصِلُ إلَى تَقْصِيرِهِ حَلَّ بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَلَقَ، وَالْأَحْسَنُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِحْلَالَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُؤَخِّرْهُ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بِهِ قُرُوحٌ لَكِنَّهُ خَرَجَ إلَى الْبَادِيَةِ فَلَمْ يَجِدْ آلَةً أَوْ مِنْ يُحْلِقْهُ لَا يُجْزِيهِ إلَّا الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ، وَلَيْسَ هَذَا بِعُذْرٍ، وَيُعْتَبَرُ فِي سُنَّةِ الْحَلْقِ الْبُدَاءَةُ بِيَمِينِ الْحَالِقِ لَا الْمَحْلُوقِ وَيَبْدَأُ بِشِقِّهِ الْأَيْسَرِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ مُقْتَضَى النَّصِّ الْبُدَاءَةُ بِيَمِينِ الرَّأْسِ.

وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ شَعْرِهِ وَيَقُولُ عِنْدَ الْحَلْقِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا هَدَانَا وَأَنْعَمَ عَلَيْنَا. اللَّهُمَّ هَذِهِ نَاصِيَتِي بِيَدِك فَتَقَبَّلْ مِنِّي وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي. اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لِي بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةً وَامْحُ بِهَا عَنِّي سَيِّئَةً وَارْفَعْ لِي بِهَا دَرَجَةً، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِلْمُحَلِّقَيْنِ وَالْمُقَصِّرِينَ يَا وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ آمِينَ.

وَإِذَا فَرَغَ فَلْيُكَبِّرْ وَلِيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَضَى عَنَّا نُسُكَنَا، اللَّهُمَّ زِدْنَا إيمَانًا وَيَقِينًا، وَيَدْعُو لِوَالِدَيْهِ وَالْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ وَيَكْتَفِي فِي الْحَلْقِ بِرُبْعِ الرَّأْسِ اعْتِبَارًا بِالْمَسْحِ وَحَلْقُ الْكُلِّ أَوْلَى اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: فَإِنْ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَ وَهُوَ مُسِيءٌ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِ غَيْرِ رَأْسِهِ وَلَا مِنْ ظُفْرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَضُرَّهُ لِأَنَّهُ أَوَانُ التَّحَلُّلِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ لِأَنَّهُ مِنْ قَضَاءِ التَّفَثِ كَذَا عَلَّلَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَفِي الْمُحِيطِ: أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ فَغَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ أَوْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ قَبْلَ الْحَلْقِ عَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بَاقٍ لِأَنَّهُ لَا تَحَلُّلَ إلَّا بِالْحَلْقِ فَقَدْ جَنَى عَلَيْهِ بِالطِّيبِ.

وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ: لَا دَمَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ فَيَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ اتَّفَقَ كُلٌّ مِنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ يُجْزِي فِي الْحَلْقِ الْقَدْرُ الَّذِي قَالَ إنَّهُ يُجْزِي فِي الْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ.

وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، لِأَنَّهُ يَكُونُ قِيَاسًا بِلَا جَامِعٍ يَظْهَرُ أَثَرُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ عَلَى تَقْدِيرِ الْقِيَاسِ وُجُوبُ الْمَسْحِ وَمَحَلُّهُ الْمَسْحُ، وَحُكْمَ الْفَرْعِ وُجُوبُ الْحَلْقِ وَمَحَلُّهُ الْحَلْقُ لِلتَّحَلُّلِ، وَلَا يَظُنُّ أَنَّ مَحَلَّ الْحُكْمِ الرَّأْسُ إذْ لَا يَتَّحِدُ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ هُمَا مَحَلَّا الْحُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَالْمُشَبَّهِ، وَالْحُكْمُ هُوَ الْوُجُوبُ مَثَلًا، وَلَا قِيَاسَ يُتَصَوَّرُ عِنْدَ اتِّحَادِ مَحَلِّهِ إذْ لَا اثْنَيْنِيَّةَ، وَحِينَئِذٍ فَحُكْمُ الْأَصْلِ وَهُوَ وُجُوبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>