للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ثُمَّ الرَّمْيُ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ . هُوَ يَقُولُ: إنَّهُ يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَالْحَلْقِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي التَّحْلِيلِ. وَلَنَا أَنَّ مَا يَكُونُ مُحَلَّلًا يَكُونُ جِنَايَةً فِي غَيْرِ أَوَانِهِ كَالْحَلْقِ، وَالرَّمْيِ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ لَا بِهِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرَةَ عَنْهَا قَالَتْ «طَيَّبْتُهُ لِحَرَمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ»

(قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ مَا يَكُونُ مُحَلِّلًا يَكُونُ جِنَايَةً فِي غَيْرِ أَوَانِهِ كَالْحَلْقِ) يَعْنِي هَذَا هُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الْعِبَادَةِ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ بِرُكْنِهَا بَلْ إمَّا بِمُنَافِيهَا أَوْ بِمَا هُوَ مَحْظُورُهَا هُوَ أَقَلُّ مَا يَكُونُ، بِخِلَافِ دَمِ الْإِحْصَارِ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِ إطْلَاقِ مُبَاشَرَةِ الْمَحْظُورِ تَحَلُّلًا، فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ الطَّوَافُ فَإِنَّهُ مُحَلِّلٌ مِنْ النِّسَاءِ وَلَيْسَ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ؟ أَجَابَ بِمَنْعِ كَوْنِهِ مُحَلِّلًا بَلْ التَّحَلُّلُ عِنْدَهُ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ لَا بِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ بَعْضُ أَحْكَامِ الْحَلْقِ يُؤَخَّرُ إلَى وَقْتِهِ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ السَّمْعِيَّاتِ يُفِيدُ أَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ لِلتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ. وَعَنْ هَذَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهُوَ عِنْدَنَا وَاجِبٌ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ الْوَاجِبَ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ، وَيَحْمِلُونَ مَا ذَكَرْنَا عَلَى إضْمَارِ الْحَلْقِ: أَيْ إذَا رَمَى وَحَلَقَ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَطْفِهِ عَلَى الشَّرْطِ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ. قَوْله تَعَالَى ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ وَهُوَ الْحَلْقُ وَاللُّبْسُ عَلَى مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ إنَّهُ الْحَلْقُ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ قَوْله تَعَالَى ﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ﴾ الْآيَةَ، أَخْبَرَ بِدُخُولِهِمْ مُحَلِّقِينَ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ التَّحْلِيقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَالَةَ الدُّخُولِ فِي الْعُمْرَةِ لِأَنَّهَا حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، ثُمَّ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِيَارِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ الْوُجُوبِ الْحَامِلِ عَلَى الْوُجُودِ فَيُوجَدُ الْمُخْبَرُ بِهِ ظَاهِرًا وَغَالِبًا لِتَطَابُقِ الْأَخْبَارِ، غَيْرَ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ ظَنِّيٌّ فَيَثْبُتُ بِهِ الْوُجُوبُ لَا الْقَطْعُ.

وَلَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ لَزِمَهُ دَمٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ إحْرَامَهُ بَاقٍ لَا يَزُولُ إلَّا بِالْحَلْقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>