للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نَرْمِيَ ثُمَّ نَذْبَحَ ثُمَّ نَحْلِقَ» وَلِأَنَّ: الْحَلْقَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ، وَكَذَا الذَّبْحُ حَتَّى يَتَحَلَّلَ بِهِ الْمُحْصَرُ فَيُقَدِّمَ الرَّمْيَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ الْحَلْقُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ الذَّبْحُ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ الذَّبْحَ بِالْمَحَبَّةِ لِأَنَّ الدَّمَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْمُفْرِدُ تَطَوُّعٌ وَالْكَلَامُ فِي الْمُفْرِدِ (وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ «رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ» الْحَدِيثَ، ظَاهِرٌ بِالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الْحَلْقَ أَكْمَلُ فِي قَضَاءِ التَّفَثِ

اسْمُ الرَّمْيِ مَعَ كَوْنِهِ يُسَمَّى نِثَارًا، فَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ رَمْيٌ خُصَّ بِاسْمٍ آخَرَ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ مُتَعَلِّقِهِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِذَلِكَ فِي سُقُوطِ اسْمِ الرَّمْيِ عَنْهُ وَلَا صُورَتِهِ.

وَأَيْضًا فَهُوَ جَوَابٌ قَاصِرٌ إذْ لَا يَعُمُّ مَا ذَكَرْنَا مِمَّا لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ ثُبُوتَ اسْمِ النِّثَارِ أَيْضًا فِيمَا بِاللُّؤْلُؤِ وَالْعَنْبَرِ أَيْضًا وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ يَصْدُقُ اسْمٌ إلَخْ، وَلَوْ غَيَّرَ أَصْلَ الْجَوَابِ إلَى اشْتِرَاطِ الِاسْتِهَانَةِ انْدَفَعَ الْكُلُّ لَكِنَّهُ يُطَالَبُ بِدَلِيلِ اعْتِبَارِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ سِوَى ثُبُوتِ فِعْلِهِ بِالْحَجَرِ إذْ لَا إجْمَاعَ فِيهِ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ بِمُجَرَّدِهِ التَّعْيِينَ كَرَمْيِهِ مِنْ أَسْفَلِ الْجَمْرَةِ لَا مِنْ أَعْلَاهَا وَغَيْرِهِ، وَلَوْ اسْتَلْزَمَهُ تَعَيَّنَ الْحَجَرُ وَهُوَ مَطْلُوبُ الْخَصْمِ، ثُمَّ لَوْ تَمَّ نَظَرَ إلَى مَا أُثِرَ مِنْ أَنَّ الرَّمْيَ رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ إذْ أَصْلُهُ رَمْيُ نَبِيِّ اللَّهِ عِنْدَ الْجِمَارِ لَمَّا عَرَضَ لَهُ عِنْدَهَا لِلْإِغْوَاءِ بِالْمُخَالَفَةِ اسْتَلْزَمَ جَوَازَ الرَّمْيِ بِمِثْلِ الْخَشَبَةِ وَالرَّثَّةِ وَالْبَعْرَةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّهَا أُمُورٌ تَعَبُّدِيَّةٌ لَا يُشْتَغَلُ بِالْمَعْنَى فِيهَا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُلَاحِظَ مُجَرَّدَ الرَّمْيِ أَوْ مَعَ الِاسْتِهَانَةِ أَوْ خُصُوصِ مَا وَقَعَ مِنْهُ

وَالْأَوَّلُ يَسْتَلْزِمُ الْجَوَازَ بِالْجَوَاهِرِ،

وَالثَّانِي بِالْبَعْرَةِ وَالْخَشَبَةِ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا

وَالثَّالِثُ بِالْحَجَرِ خُصُوصًا، فَلْيَكُنْ هَذَا أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَسْلَمَ وَالْأَصْلُ فِي أَعْمَالِ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ إلَّا مَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَعَيُّنِهِ كَمَا فِي الرَّمْيِ أَسْفَلَ الْجَمْرَةِ مِمَّا ذَكَرْنَا

(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ " إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا " إلَخْ) غَرِيبٌ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَتَى مِنًى فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى فَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ خُذْ وَأَشَارَ إلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ»، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْحَلْقِ الْبُدَاءَةُ بِيَمِينِ الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَذْهَبِ وَهَذَا الصَّوَابُ (قَوْلُهُ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ الذَّبْحُ) حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّ الْحَلْقَ لَمْ يَقَعْ فِي مَحْضِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ ) فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ «اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ. قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ»

وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «فَلَمَّا كَانَتْ الرَّابِعَةُ قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ» وَقَوْلُهُ ظَاهَرَ هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ فِعْلٌ مَاضٍ، وَمِنْ لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ يُجْرِي الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ وُجُوبًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَيْئَانِ إجْرَاؤُهُ مَعَ الْإِزَالَةِ، فَمَا عَجَزَ عَنْهُ سَقَطَ دُونَ مَا لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ.

وَقِيلَ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِجْرَاءِ لِلْإِزَالَةِ لَا لَعَيْنِهِ، فَإِذَا سَقَطَ مَا وَجَبَ لِأَجْلِهِ سَقَطَ هُوَ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ بِمَنْعِ وُجُوبِ عَيْنِ الْإِجْرَاءِ وَإِنْ كَانَ لِلْإِزَالَةِ، بَلْ الْوَاجِبُ طَرِيقُ الْإِزَالَةِ، وَلَوْ فُرِضَ بِالنُّورَةِ أَوْ الْحَرْقِ أَوْ النَّتْفِ، وَإِنْ عَسُرَ فِي أَكْثَرِ الرُّءُوسِ أَوْ قَاتَلَ غَيْرَهُ فَنَتَفَهُ أَجْزَأَ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>