للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا بُدَّ مِنْ الْقَطْعِ قَالَ وَيَحْصُلُ بِتَكْرِيرِ النَّظَرِ وَالْبَحْثِ وَاشْتِهَارِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مُخَصِّصًا.

(الْمُخَصِّصُ) أَيْ الْمُفِيدُ لِلتَّخْصِيصِ (قِسْمَانِ) (الْأَوَّلُ الْمُتَّصِلُ) أَيْ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مِنْ مِنْ اللَّفْظِ بِأَنْ يُقَارِنَ الْعَامَّ (وَهُوَ خَمْسَةٌ) أَحَدُهَا (الِاسْتِثْنَاءُ) بِمَعْنَى الدَّالِّ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ نَفْسُهُ (الْإِخْرَاجُ) مِنْ مُتَعَدِّدٍ (بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا) ، نَحْوُ خَلَا وَعَدَا وَسِوَى صَادِرًا ذَلِكَ الْإِخْرَاجُ مَعَ الْمُخْرَجِ مِنْهُ (مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ مُطْلَقًا) فَقَوْلُ الْقَائِلِ إلَّا زَيْدًا عَقِبَ قَوْلِ غَيْرِهِ جَاءَ الرِّجَالُ اسْتِثْنَاءٌ عَلَى الثَّانِي لَغْوٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَوْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ عَقِبَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] كَانَ اسْتِثْنَاءً قَطْعًا لِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنْ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا قُرْآنًا.

ــ

[حاشية العطار]

(قَوْلُهُ: بِتَكْرِيرِ النَّظَرِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ بَلْ يُفِيدُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْقَطْعِ الظَّنَّ الْقَوِيَّ وَيَكُونَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ أَنْ يُكْتَفَى بِأَصْلِ الظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوِيًّا بِخِلَافِ هَذَا وَحَكَى الْغَزَالِيُّ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى الظَّنُّ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِقَادٍ جَازِمٍ وَسُكُونِ النَّفْسِ بِانْتِفَاءٍ.

(قَوْلُهُ: أَيْ الْمُفِيدُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ إسْنَادَ التَّخْصِيصِ لِلَّفْظِ مَجَازٌ عَنْ إفَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخَصِّصَ حَقِيقَةً هُوَ الْمُتَكَلِّمُ، وَالشَّرْطُ وَنَحْوُهُ مُفِيدٌ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّ الْمُفِيدَ حَقِيقَةً هُوَ الْمُتَكَلِّمُ وَالْكَلَامُ آلَةٌ لِلْإِفَادَةِ فَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنَّهُ إشَارَةٌ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ يُقْرَأُ الْمُخَصَّصُ بِالْفَتْحِ وَالْمُفِيدُ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ يُقَدَّرُ بِالشَّيْءِ وَلَا يُقَدَّرُ لَفْظًا؛ لِأَنَّ الْمُخَصِّصَ كَمَا يَكُونُ لَفْظًا يَكُونُ غَيْرَ لَفْظٍ كَالْفِعْلِ وَالْحِسِّ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ تَفْسِيرَ الشَّارِحِ لِلْمُتَّصِلِ بِأَنَّهُ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مِنْ اللَّفْظِ حَيْثُ أُخِذَ اللَّفْظُ فِي مَفْهُومِهِ وَالْمُقْسِمُ مُلَاحَظٌ فِي الْأَقْسَامِ تَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُقَارِنَ) تَصْوِيرٌ لِلْإِتْيَانِ بِالْمُتَّصِلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِتْيَانُ بِهِ إلَّا مَعَ الْمُقَارَنَةِ فَالْمَعْنَى عَلَى الْحَصْرِ أَيْ بِأَنْ لَا يَكُونَ إلَّا مُقَارِنًا بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ خَمْسَةٌ) الصِّفَةُ وَالشَّرْطُ وَالْغَايَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَزَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَدَلَ الْبَعْضِ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الدَّالِّ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُخَصِّصٌ مُتَّصِلٌ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ وَهُوَ الْأَدَاةُ وَهِيَ مَعَ مَا بَعْدَهَا. (قَوْلُهُ: أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ نَفْسُهُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ بِمَعْنَى الْإِخْرَاجِ فَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ اسْتِخْدَامٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ مُتَعَدِّدٍ) أَيْ لَفْظٍ مُتَعَدِّدٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ الْمُتَعَدِّدُ مِنْ صُنْعِ الْعُمُومِ أَوْ لَا فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَكُونُ مِنْ الْعَدَدِ وَلَيْسَ مِنْ الْعَامِّ اصْطِلَاحًا وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْإِخْرَاجِ مَحْذُوفٌ وَأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ مُتَكَلِّمٍ حَالٌ وَلَيْسَ هُوَ مُتَعَلِّقَ الْإِخْرَاجِ كَمَا تَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: بِإِلَّا إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ الْإِخْرَاجِ بِغَيْرِ ذَلِكَ، مِثْلُ {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: ٦] فَهَذَا إخْرَاجٌ لَكِنْ بِغَيْرِ إلَّا.

(قَوْلُهُ: وَسِوَى) وَيُقَالُ سُوَى بِضَمِّ السِّينِ وَسَوَاءٌ بِفَتْحِهَا وَالْمَدِّ أَوْ بِكَسْرِهَا وَالْمَدِّ، ذَكَرَهَا الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِ الشَّاطِبِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: صَادِرًا إلَخْ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ تَعَلُّقٍ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ بِالْإِخْرَاجِ وَهُوَ فَاسِدٌ إذْ الْمُتَكَلِّمُ مُخْرِجٌ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ لَا مُخْرَجٌ مِنْهُ وَقَوْلُهُ مَعَ الْمُخْرَجِ مِنْهُ دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ مَا تَصْدُقُ بِهِ الْعِبَارَةُ مِنْ كَوْنِ الْإِخْرَاجِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ وَالْمُخْرَجِ مِنْهُ مِنْ مُتَكَلِّمٍ آخَرَ وَهُوَ عَكْسُ الْمَطْلُوبِ بِهَذَا الْقَيْدِ.

(قَوْلُهُ: اسْتِثْنَاءٌ عَلَى الثَّانِي) وَقَدْ يُقَالُ لَهُ اسْتِثْنَاءٌ تَلْقِينِيٌّ وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ الزِّيَادِيِّ فِي غَيْرِ الْحَاشِيَةِ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْغَيْرِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ يَنْفَعُ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ مَبْنَاهُ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَشْيَاخِ مَشَايِخِنَا وَكَانَ الشَّيْخُ السِّجِّينِيُّ يَخُصُّهُ بِالْحَلِفِ وَهُوَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ حَثٍّ أَوْ مَنْعٍ أَوْ تَحْقِيقِ خَبَرٍ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ النَّبِيَّ وَمُبْلِغٌ يَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَيَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى قَوْلِهِ إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ فَمُبَلَّغٌ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَعَلَى كُلٍّ هُوَ فِي حُكْمِ الْمُتَكَلِّمِ الْوَاحِدِ وَلَوْ عَلَى اجْتِهَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ تَقْرِيرَهُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ إيجَابِهِ لَهُ وَفِي كَلَامِ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ مَا يُصَرِّحُ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ اسْتِثْنَاءً بَلْ هُوَ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ وَرَجَّحَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ إنَّهُ الصَّحِيحُ لَكِنْ بِنَاءً عَلَى رَأْيِهِ أَنَّ شَرْطَ الْكَلَامِ صُدُورُهُ مِنْ نَاطِقٍ وَاحِدٍ وَقَدْ وَضَعَهُ ابْنُ مَالِكٍ اهـ. مُلَخَّصًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>