الْأَعْقَابِ. قَالُوا: وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْأَعْقَابِ خَاصَّةً بَلْ شَامِلٌ لِكُلِّ لَمْعَةٍ تَبْقَى فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا حِينَ رَأَى أَعْقَابَ النَّاسِ تَلُوحُ وَلَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ فِي الْوُضُوءِ. (وَعَقِبُ الشَّيْءِ طَرَفُهُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ (وَ) هُوَ (آخِرُهُ ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ غَسْلِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (يَفْعَلُ بِالرِّجْلِ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْيُمْنَى سَوَاءٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ مُنْتَهَى الْغَسْلِ فِي الرِّجْلَيْنِ، وَهُمَا الْكَعْبَانِ النَّاتِئَانِ فِي جَانِبَيْ السَّاقَيْنِ، وَالْمَشْهُورُ دُخُولُهُمَا فِي الْغَسْلِ وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى صِفَةِ الْوُضُوءِ،
وَلَمَّا قَدَّمَ فِيهَا أَنَّهُ يَغْسِلُ مَا حَقُّهُ الْغَسْلُ ثَلَاثًا وَخَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ دَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ (تَحْدِيدُ غَسْلِ أَعْضَائِهِ) الَّتِي حَقُّهَا الْغَسْلُ (ثَلَاثًا ثَلَاثًا بِأَمْرٍ لَا يُجْزِئُ دُونَهُ وَلَكِنَّهُ) أَيْ التَّحْدِيدَ بِالثَّلَاثِ (أَكْثَرُ مَا يَفْعَلُ) وَلَا فَضِيلَةَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ بَلْ حَكَى ابْنُ بَشِيرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِ الرَّابِعَةِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا رُوِيَ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوُضُوءِ فَأَرَاهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ.» هَذَا مَعَ تَحَقُّقِ الْعَدَدِ، وَأَمَّا مَعَ الشَّكِّ هَلْ هِيَ ثَالِثَةٌ أَوْ رَابِعَةٌ فَقِيلَ: يَبْنِي عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
الْهَلَاكُ. [قَوْلُهُ: تَقْدِيرُهُ لِأَصْحَابِ الْأَعْقَابِ] فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ الْمَعْنَى عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ فَمَا وَجْهُ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ؟ قُلْت: قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا نَسَبَ الْعَذَابَ إلَيْهَا مَعَ أَنَّ الْعَذَابَ لِصَاحِبِهَا إمَّا لِشِدَّتِهِ فِيهَا أَوْ لِأَنَّهَا أَوَّلُ مُعَذَّبٍ، ثُمَّ إنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَخْصِيصِ التَّعْذِيبِ بِالْأَعْقَابِ دُونَ غَيْرِهَا كَمَا خَصَّ التَّعْذِيبَ بِغَيْرِ مَحَلِّ السُّجُودِ، وَيَجْرِي هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِهَا كَمَا ذَكَرَهُ عج - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَالَ إلَخْ] جَوَابٌ عَلَى سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ إذَا كَانَ هَذَا لَا يَخْتَصُّ فَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِ الْمُصْطَفَى؟ [قَوْلُهُ: تَلُوحُ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: لَاحَ الشَّيْءُ يَلُوحُ بَدَا اهـ. أَيْ تَظْهَرُ بِدُونِ مَاءٍ عَلَيْهَا [قَوْلُهُ: وَهُوَ آخِرُ إلَخْ] قَدَّرَ هُوَ إشَارَةً إلَى أَنَّ عَطْفَ الْآخِرِ عَلَى الطَّرَفِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَحِينَئِذٍ فَالْعَقِبُ وَالطَّرَفُ الَّذِي هُوَ الْآخِرُ مُتَرَادِفَانِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الزَّرْقَانِيُّ، وَعَلَيْهِ فَيُطْلَقُ الْعَقِبُ عَلَى طَرَفِ الرِّجْلِ الْمُتَقَدِّمِ، فَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يُقَالُ عَلَى مُقَدَّمِ الرِّجْلِ عَقِبٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ قَالَهُ عج.
[قَوْلُهُ: وَهُمَا الْكَعْبَانِ إلَخْ] التَّثْنِيَةُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ دُخُولُهُمَا فِي الْغَسْلِ] وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ اكْتِفَاءً مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْخِلَافِ وَالِاسْتِدْلَالُ وَاحِدٌ، فَالْمَشْهُورُ دُخُولُهُمَا فِي الْغَسْلِ.
[قَوْلُهُ: بَلْ حَكَى ابْنُ بَشِيرٍ الْإِجْمَاعَ إلَخْ] أَقُولُ: لَا يُسَلَّمُ لَهُ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَنْعِ مَا يَشْمَلُ الْكَرَاهَةَ، فَيَجْرِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ: وَقَدْ أَشَارَ لَهُمَا صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ: وَهَلْ تُكْرَهُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ خِلَافٌ، وَالْأَوْلَى وَهَلْ تُكْرَهُ الزَّائِدَةُ لِأَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيمَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ أَيْضًا وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى ابْنِ بَشِيرٍ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَتْ الرَّابِعَةُ فَمَا زَادَ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى، وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ قَبْلَ فِعْلِ شَيْءٍ بِالْأَوَّلِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ كَالصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَصَلَ بِالْمُتَجَدِّدِ تَمَامُ تَثْلِيثِ الْأَوَّلِ، فَلَا مَنْعَ وَلَا كَرَاهَةَ، وَمَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ إذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ بِقَصْدِ التَّعَبُّدِ، وَأَمَّا إذَا قَصَدَ إزَالَةَ الْأَوْسَاخِ فَجَائِزٌ. [قَوْلُهُ: فَأَرَاهُ ثَلَاثًا] الظَّاهِرُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ بِحَضْرَتِهِ. [قَوْلُهُ: فَقَدْ أَسَاءَ] أَيْ ارْتَكَبَ أَمْرًا غَيْرَ لَائِقٍ وَقَوْلُهُ: تَعَدَّى وَظَلَمَ يُسْتَفَادُ مِنْ الْمِصْبَاحِ تَرَادُفُهُمَا، وَالظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِيهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ مُتَرَادِفَةٌ أَوْ كَالْمُتَرَادِفَةِ.
[قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ «فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» ] هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذُكِرَ ظَاهِرٌ فِي الْمَنْعِ فَيَكُونُ مُرَجَّحًا لِلْقَوْلِ بِهِ، وَصَاحِبُ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ يَقُولُ: إنَّ التَّعْبِيرَ بِالْعِصْيَانِ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ التَّنْفِيرِ فَلَا يَلْزَمُ الْحُرْمَةُ، فَخُلَاصَتُهُ أَنَّ هَذِهِ كَرَاهَةٌ شَدِيدَةٌ وَخُصُوصًا الْمُقَابِلُ هُوَ الْحُرْمَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute