الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الطَّلَبُ فَقَالَ: (وَيَعْرُكُ) أَيْ وَلْيَعْرُكْ يَعْنِي وَلْيُدَلِّكْ (عَقِبَيْهِ) تَثْنِيَةُ عَقِبٍ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَهِيَ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ (وَ) كَذَلِكَ يُدَلِّكُ (عُرْقُوبَيْهِ) تَثْنِيَةُ عُرْقُوبٍ، بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَهُوَ الْعَصَبُ الْغَلِيظُ الْمُتَوَتِّرُ فَوْقَ عَقِبِ السَّاقِ.
(وَ) كَذَلِكَ يُدَلِّكُ (مَا لَا يَكَادُ) أَيْ الَّذِي لَا (يُدَاخِلُهُ الْمَاءُ بِسُرْعَةٍ) فَيَكَادُ زَائِدَةٌ ثُمَّ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ جَسَاوَةٍ) بِجِيمٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ غِلَظٌ فِي الْجِلْدِ نَشَأَ عَنْ قَشَفٍ (أَوْ شُقُوقٍ) أَيْ تَفَاتِيحُ تَكُونُ مِنْ الْبَلْغَمِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ التَّكَامِيشُ الَّتِي تَكُونُ مِنْ اسْتِرْخَاءِ الْجِلْدِ فِي أَهْلِ الْأَجْسَامِ الْغَلِيظَةِ، ثُمَّ أَكَّدَ الْأَمْرَ بِعَرْكِ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا فَيَكُونُ مُصَلِّيًا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَقَالَ: (فَلْيُبَالِغْ بِالْعَرْكِ مَعَ) كَوْنِهِ مَقْرُونًا بِ (صَبِّ الْمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ أَنْقَى (بِيَدِهِ) إنْ أَمْكَنَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الثَّلَاثِ، ثُمَّ أَكَّدَ مَا أَمَرَ بِهِ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ مُعَبِّرًا بِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ فَقَالَ: (فَإِنَّهُ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ وَهُوَ الَّذِي يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ مَا يَعُودُ عَلَيْهِ
(جَاءَ الْأَثَرُ) فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» قِيلَ: وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ لِأَصْحَابِ
ــ
[حاشية العدوي]
أَسْفَلُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَالْبُدَاءَةُ بِخِنْصَرِ الْيُمْنَى إلَخْ مُسْتَحَبٌّ آخَرُ.
[قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهُ الطَّلَبُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي وَلْيُدَلِّكْ] التَّعْبِيرُ بِيَعْنِي لَيْسَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ شَيْءٍ فَقَصَدَ مُجَرَّدَ الْإِيضَاحِ [قَوْلُهُ: فَوْقَ عَقِبِ السَّاقِ] لَا وَجْهَ لِنِسْبَتِهِ لِلْعَقِبِ مَعَ وُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِالْعُرْقُوبِ فَالْعُرْقُوبُ أَقْرَبُ مِنْ السَّاقِ.
قَالَ الْحَطَّابُ فِي حَاشِيَةِ الرِّسَالَةِ: الْعَقِبُ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ، وَالْعُرْقُوبُ الْقَصَبَةُ النَّاتِئَةُ مِنْ الْعَقِبِ إلَى السَّاقِ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ، وَأَيْضًا فَتِلْكَ النِّسْبَةُ تُؤْذِنُ بِوُجُودِ عَقِبٍ لَيْسَ مَنْسُوبًا لِلسَّاقِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: فَيَكَادُ زَائِدَةٌ] لَا يَخْفَى أَنَّ زِيَادَتَهَا لَيْسَتْ مُتَعَيِّنَةً بَلْ عَدَمُ زِيَادَتِهَا صَحِيحٌ أَيْ وَمَا لَا يَقْرُبُ مُدَاخَلَةُ الْمَاءِ لَهُ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: نَشَأَ عَنْ قَشَفٍ] الْقَشَفُ عَدَمُ تَعَهُّدِ النَّظَافَةِ.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: قَشِفَ الرَّجُلُ قَشَفًا فَهُوَ قَشِفٌ مِنْ بَابِ تَعِبٍ أَيْ لَمْ يَتَعَهَّدْ النَّظَافَةَ، وَتَقَشَّفَ مِثْلُهُ. [قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ] أَيْ أَوْ غَيْرِهِ كَسَوْدَاءَ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ تت. قُلْت: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إذَا غَلَبَتْ إحْدَى الطَّبِيعَتَيْنِ تَحْصُلُ تِلْكَ الشُّقُوقُ. [قَوْلُهُ: مَخَافَةَ] أَيْ لِاحْتِمَالٍ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْخَوْفَ إنْ كَانَ وَهْمًا فَيَكُونُ الْأَمْرُ لِلنَّدْبِ، وَإِنْ كَانَ شَكًّا أَوْ ظَنًّا فَيَكُونُ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ [قَوْلُهُ: فَلْيُبَالِغْ إلَخْ] أَيْ إذَا كَانَ الْعَرْكُ الْمَذْكُورُ مُتَعَلِّقًا بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ الْخَفِيَّةِ فَيَتَفَرَّعُ طَلَبُ الْمُبَالَغَةِ فِيهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى فِي.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَنْقَى] أَيْ لِأَنَّ الْعَرْكَ الْمُقْتَرِنَ بِالصَّبِّ أَنْقَى مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مُقْتَرِنٍ، أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الصَّبُّ بَعْدَ الْعَرْكِ أَوْ قَبْلَ الْعَرْكِ. [قَوْلُهُ: بِيَدِهِ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْعَرْكِ [قَوْلُهُ: إنْ أَمْكَنَهُ] أَيْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ، وَيَبْعُدُ تَرْجِيعُهُ لِقَوْلِهِ: مَعَ كَوْنِهِ مَقْرُونًا بِصَبِّ الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لِوُجُودِ الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ: بِيَدِهِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَرْكِ [قَوْلُهُ: يَفْعَلُ ذَلِكَ] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ عَرْكِ عَقِبَيْهِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ. [قَوْلُهُ: مِنْ قَوْلِهِ إلَخْ] أَتَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ كَمَا قَالَ تت فِي إصْلَاحِ الْمُتَقَدِّمِينَ يَقَعُ عَلَى الْمَرْفُوعِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى الْمَوْقُوفِ.
وَأَمَّا فُقَهَاءُ خُرَاسَانَ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ فَإِنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْمَرْفُوعَ خَبَرًا وَالْمَوْقُوفَ أَيْ عَلَى الصَّحَابِيِّ أَثَرًا، فَقَدْ جَرَى عَلَى إصْلَاحِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَمِنْ بَيَانِيَّةٌ احْتِرَازًا مِنْ الْأَثَرِ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ.
[قَوْلُهُ: لِلْأَعْقَابِ] يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ حِينَ رَأَى قَوْمًا تَلُوحُ أَعْقَابُهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ، وَاسْتَبْعَدَهُ الْبَاجِيُّ لِمَا ذُكِرَ قُلْت: لَا اسْتِبْعَادَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشَرِّعٌ لِكُلِّ الْأُمَّةِ، فَالْمَعْنَى وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ الَّتِي لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ كَانُوا هَؤُلَاءِ أَوْ غَيْرَهُمْ، وَالْأَعْقَابُ جَمْعُ قِلَّةٍ وَالْمُرَادُ الْكَثْرَةُ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ: وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ] أَيْ وَتَكُونُ مِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ النَّارِ تَبْعِيضِيَّةً، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي الْخَبَرِ، وَالتَّقْدِيرُ وَيْلٌ كَائِنٌ لِلْأَعْقَابِ حَالَةَ كَوْنِهِ مِنْ النَّارِ، أَيْ بَعْضَ النَّارِ، وَيُرَادُ مِنْ النَّارِ دَارُ الْعِقَابِ، وَعَبَّرَ بِقِيلَ إشَارَةً إلَى عَدَمِ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ.
وَكَأَنَّهُ قَالَ: قَالَ بَعْضُهُمْ، فَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ: وَيْلٌ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ فِي الْهَلَاكِ، وَقِيلَ: لِمَنْ اسْتَحَقَّ الْهَلَاكَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهَا