للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَقَلِّ كَالشَّكِّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَقِيلَ: عَلَى الْأَكْثَرِ خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةٍ. ج: وَهُوَ الْحَقُّ عِنْدِي وَبِهِ أَدْرَكْت مَنْ لَقِيتُهُ يُفْتِي (وَمَنْ كَانَ يُوعِبُ) أَيْ يُسْبِغُ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ (بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ ثَلَاثِ غَسَلَاتٍ (أَجْزَأَهُ) فِعْلُ ذَلِكَ الْأَقَلِّ (إذَا أَحْكَمَ) أَيْ أَتْقَنَ (ذَلِكَ) الْفِعْلَ، وَقَدْ حَدَّدَ الْأَكْثَرَ وَلَمْ يُحَدِّدْ الْأَقَلَّ إذْ الْأَقَلُّ يَحْتَمِلُ الْوَاحِدَةَ وَالِاثْنَيْنِ، وَلَمَّا شَرَطَ فِي إجْزَاءِ الْوَاحِدَةِ الْإِحْكَامَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ فِي إحْكَامِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ إتْقَانِ (ذَلِكَ) الْغَسْلِ (سَوَاءً) عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ بِالْوَاحِدَةِ لَا يُجْزِئُهُ وَيَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ مَا يُحْكِمُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُحْكِمُ إلَّا بِالثَّلَاثِ نَوَى بِهَا الْفَرْضَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْكِمُ إلَّا بِاثْنَيْنِ نَوَى بِهِمَا الْفَرْضَ، وَبِالثَّالِثَةِ الْفَضِيلَةَ.

وَلَمَّا بَيَّنَ صِفَةَ الْوُضُوءِ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى فَرَائِضَ وَسُنَنٍ وَفَضَائِلَ شَرَعَ يَحُثُّ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لَا يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَقَالَ: (وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ» بِسُكُونِ الرَّاءِ يُفَسِّرُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ بَصَرَهُ «إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ» قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ «أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَعَ الشَّكِّ إلَخْ] أَيْ شَكٍّ فِي الَّتِي قَصَدَ أَنْ يُقَدِّمَ عَلَيْهَا هَلْ هِيَ ثَالِثَةٌ، وَاَلَّذِي فَعَلَهُ اثْنَتَانِ أَوْ أَرْبَعٌ وَاَلَّذِي فَعَلَهُ ثَلَاثٌ. [قَوْلُهُ: فَقِيلَ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ] وَعَلَى هَذَا فَيُسْتَحَبُّ فِعْلُهَا.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ عَلَى الْأَكْثَرِ] أَيْ فَيُكْرَهُ لَهُ فِعْلُهَا [قَوْلُهُ: فِي الْمَحْظُورِ] أَرَادَ بِهِ الْمَمْنُوعَ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْكَرَاهَةِ لِيَجْرِيَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ [قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ يُوعِبُ إلَخْ] لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا احْتَاجَ لِذِكْرِهِ لِأَجْلِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: إذَا أَحْكَمَ.

وَقَوْلُهُ: فِعْلُ ذَلِكَ الْأَقَلِّ الْمُنَاسِبِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ الْأَقَلُّ وَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ فِعْلٍ. [قَوْلُهُ: إذَا أَحْكَمَ ذَلِكَ] لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ، وَمَنْ كَانَ يُوعِبُ يَحْتَمِلُ، وَلَوْ مَعَ عَدَمِ الْإِتْقَانِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي أَتَى بِهَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ الْإِتْقَانُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْإِجْزَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَهُ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ حُدِّدَ فِعْلُ الْأَكْثَرِ] أَيْ أَكْثَرِ الْغَسَلَاتِ لَا الْغَرَفَاتِ الَّتِي الْحَدِيثُ فِيهَا [قَوْلُهُ: إذْ الْأَقَلُّ إلَخْ] أَيْ لِأَنَّ الْأَقَلَّ لَمَّا كَانَ مَحْصُورًا فِي الْوَاحِدَةِ وَالِاثْنَتَيْنِ فَحَالُهُ مَعْلُومٌ فَلَا حَاجَةَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ إلَخْ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ نَبَّهَ [قَوْلُهُ: بِالْوَاحِدَةِ] أَيْ بِالْغَرْفَةِ الْوَاحِدَةِ [قَوْلُهُ: نَوَى الْفَرْضَ] ظَاهِرُهُ نَوَى بِالْغَرَفَاتِ الْفَرْضَ، وَلَا يَصِحُّ فَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ نَوَى بِالْغَسْلِ بِهَا الْفَرْضَ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ.

[قَوْلُهُ: نَوَى بِهَا الْفَرْضَ إلَخْ] مُرُورٌ عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ هَلْ الْأَوْلَى التَّعْيِينُ أَوْ يُعَمَّمُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ مَا أَسْبَغَ أَوَّلًا يَكُونُ الْفَرْضُ. [قَوْلُهُ: وَبِالثَّالِثَةِ الْفَضِيلَةُ] فِي الْمَقَامِ أَمْرَانِ:

الْأَوَّلُ أَنَّ قَضِيَّةَ كَوْنِ الْإِحْكَامِ فِي الْفَرْضِ مَا حَصَلَ إلَّا بِاثْنَتَيْنِ: أَنْ تَكُونَ الْفَضِيلَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِاثْنَتَيْنِ، فَلَيْسَتْ الْفَضِيلَةُ حَاصِلَةً بِالثَّالِثَةِ فَقَطْ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْفَرْضِ مَا حَصَلَ إلَّا بِاثْنَيْنِ يُحْتَمَلُ مِنْ وُجُودِ حَائِلٍ، وَقَدْ زَالَ بِالْفَرْضِ، الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ قَضِيَّتَهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ بِرَابِعَةٍ، فَفَضِيلَةُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الْأُولَى مُسْبِغَةً فَإِنْ لَمْ تُسْبِغْ وَإِنَّمَا أَسْبَغَ بِالثَّانِيَةِ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ ثَالِثَةٌ فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ يُسْبِغْ إلَّا بِالثَّلَاثِ سَقَطَ نَدْبُ مَا زَادَ عَلَيْهَا، هَذَا ظَاهِرُهُ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، بَلْ الْمُرَادُ بِالثَّالِثَةِ الْفَضِيلَةُ أَيْ الْفَضِيلَةُ الْأُولَى، وَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَأْتِي بِفَضِيلَةٍ ثَانِيَةٍ.

[قَوْلُهُ: شَرَعَ يَحُثُّ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ] أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِإِحْسَانِ الْوُضُوءِ الْإِتْيَانُ بِفَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ وَفَضَائِلِهِ، وَاسْتَظْهَرَهُ عج قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَتَى بِفَرَائِضِهِ وَقِيلَ أَخْلَصَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ الْفَضْلُ وَلَوْ بِإِحْسَانِ الْوُضُوءِ مَرَّةً وَاحِدَةً.

قَالَ عج: وَهُوَ اللَّائِقُ بِصَاحِبِ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [قَوْلُهُ: يُفَسِّرُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ] يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ رِوَايَةَ أَحْمَدَ تُفَسِّرُ الطَّرْفَ بِأَنَّهُ الْبَصَرُ، وَخَيْرُ مَا فَسَّرَتْهُ بِالْوَارِدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ رِوَايَةَ أَحْمَدَ تَدُلُّ عَلَى السُّكُونِ؛ لِأَنَّ الطَّرْفَ بِالسُّكُونِ الْبَصَرُ، وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ آخِرُ الشَّيْءِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ [قَوْلُهُ: إلَى السَّمَاءِ] لَعَلَّ الْمُرَادَ إلَى جِهَةِ السَّمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَرَهَا لِحَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَوْ لِمَانِعٍ بِهِ، كَذَا وَقَعَ فِي مَجْلِسِ الْمُذَاكَرَةِ، وَرَأَيْت فِي شَرْحِ الشَّيْخِ دَاوُد مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>