الدليل الثاني: قوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) ، ومن
مقتضى التكريم والتشريف الذي خلق اللَّه الإنسان عليه أن لا يكلف
بما لا فائدة له فيه؛ لأن ذلك ينافي تكريمه وتشريفه، ومفهوم هذا:
أنه لو كلف فإنه لا يكلف إلا بما فيه مصلحة.
الدليل الثالث: أنه ثبت من استقراء النصوص الشرعية أن الله
رحيم بعباده، وأن رحمته وسعت كل شيء، وأنه أرسل الرُّسُل
رحمة بالناس أجمعين، مما لا يقبل معه شك في أنه سبحانه أراد
مصلحتهم، ولم يشرع ما فيه ضرر عليهم، وأنه تعالى لم يرد بعباده
العسر، وإنما أراد لهم اليسر، وكل هذا يدل بوضوح على أن
التكاليف بأسرها للمصالح؛ لأن تكليف الناس بما لا فائدة معه في
غاية العسر والمشقة والحرج، وليس فيه رحمة، ولا رأفة، بل
يتحقق معه من الضرر ما ينافي كونه رحيما رؤوفا بالعباد.
الدليل الرابع: أن أحكام اللَّه: إما أن تكون مشروعة للإضرار
بالعباد، أو مشروعة لا لمصلحة لهم، ولا له، أو مشروعة لمصلحة
عباده.
أما الأول - وهو كونها مشروعة للإضرار بالعباد - فهو باطل؛
لأنه يكون بذلك ظالماً، والظلم عليه سبحانه محال؛ لقوله تعالى:
(وما الله يريد ظلما للعالمين) ، وقوله: (وما ربك بظلام للعبيد) ،
ولإجماع المسلمين على أن الظلم منتف عليه تعالى.
وأما الثاني - وهو: كون الأحكام ليست مشروعة لمصلحة عباده
ولا له - فهو باطل - أيضاً -؛ لأنه يؤدي إلى القول بأنه شرعها
عبثا، والعبث على اللَّه محال؛ لقوله تعالى: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) ،
وقوله: (ربنا ما خلقت هذا باطلاً) ، ولإجماع
المسلمين على أنه تعالى محال أن يوصف بالعبث.