/ ٢٥٨ أ/ حدثني المولى الأمير الكبير العالم ركن الدين أبو شجاع أحمد بن قرطاباً- أدام الله علوه- قال: لمّا كنت بالموصل مقيماً؛ كتبت إلى الأجل شمس الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد عبد الكريم الموصلي الكاتب، وكان بيننا صحبة متأكدة، وهو يومئذ يتولى الكتابة الإنشائية في أيام الملك القاهر عز الدين مسعود بن أرسلان شاه- رحمة الله تعالى- ألتمس منه ما تيسر من ترسله.
وكان- رحمه الله- لا يثبت شيئاً من كلامه ويدونه، لاحتقاره عنده، وقلّة مبالاته به؛ فكتب إلى رقعة يعتذر فيها بقلّة اكتراثه بهذا الشأن، من ذلك قوله من فصل:
((أدام الله على الأولياء فيض نعمه، وأمدّهم بسيب جوده وكرمه، ومتعهم بالإنعام من يده وقلمه، ووفقهم لما يصرف فيه من خدمه)).
/ ٢٥٨ ب/ ومنها:
((وليس كلام المملوك مما يدّون ويسطر، ولا مما يعدّ ويذكر، لارتجاله من غير رؤيّة، لسرعة المهام السلطانية، فصار ذلك عادةً معروفة، وسنّة مألوفة، فمتى أبطأ ولو بقدر فواقٍ، أسرع إليه اللوم والإزهاق، وإذا وجد المولى الدرّ فلا حاجة إلى الصدف. وكلام الفاضل- رحمه الله- يشهد بفضله كل من عرف، وبه ختم هذا العلم فلا يرى له خلف)).
قال: ثم سيّر إلى مجلدة من رسائل القاضي- رحمه الله-.
وله من كتاب، كتبه إلى بدر الدين لؤلؤ، وهو يومئذ يحاصر قلعة الشوش؛ وكان قد ترك الخدمة البدرية، وانقطع في منزله، يستأذن فيه إلى الحج، ويعرض فيها بنوع من النعت وهو ومنه:
((وهو ذاك المملوك الصادق أن ذكر أوسى، والمخلص في في الولاء إن أحسن إليه أو أسا، وحاشا مولانا من الإساءة وطبعه الإحسان، ولكن عادة المماليك في الخطأ والنسيان، طمعاً في الحلم الذي ليس له فيه ثان، وهكذا الناس مرزوق ومحروم)).