صرح بقوله:"وخلق للأنعام أيضًا من أنفسها أزواجًا"، والمعلول {يَذْرَؤُكُمْ}؛ لأنه جملة مستأنفة واردة على بيان الموجب، فلما توجه العلتان عليها أوجب تغليب المخاطبين من العقلاء على الغيب مما لا يعقل؛ ليستقيم المعنى، المعنى: دبر ذلك التدبير العجيب ليتكاثر توالد الحيوان وتناسله.
وفي جعل "حتى" -في قوله:"حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل"- غاية لقوله:"أن جعل للناس والأنعام أزواجًا"، وكذا في سؤاله:"هلا قيل: يذرؤكم به؟ " -أي: بسببه-: إشعار بأن الجعلين المعبرين بالتدبير هما السبب في الذرء، وقريب منه قوله تعالى:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الكهف: ٤٦].
فإن قلت: فما قولك في كلام صاحب "المفتاح": {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} خطابًا شاملًا للعقلاء والأنعام؛ مغلبًا فيه المخاطبون على الغيب، والعقلاء على ما لا يعقل"، فإنه على خلاف ما عليه كلام المصنف؟ قلت: يمكن حمله على تغليب مركب، وعلى تغليبين، والثاني يأباه المقام؛ إذ القول بالتغليبين يؤدي إلى أن الأصل أن يقال: يذرؤكم ويذرؤهم ويذرؤها ويذرؤكن، لكن الأصل: يذرؤكم ويذرؤها، لا غير؛ لأن "كم" في {يَذْرَؤُكُمْ}: هو "كم" الذي في {جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} بعينه، لكن غلب ها هنا على الغيب في {ومِنَ الأَنْعَامِ}، فإذن ليس في {يَذْرَؤُكُمْ} إلا تغليب واحد، ولهذا قال: "الضمير في {يَذْرَؤُكُمْ} يرجع إلى المخاطبين وإلى الأنعام"، ووصف "المخاطبون" بـ"العقلاء"، ثم علق به قوله: "على الغيب مما لا يعقل".