والذر، والذرو، والذرء: أخوات، {فِيهِ} في هذا التدبير، وهو أن جعل للناس والأنعام أزواجًا، حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل. والضمير في {يَذْرَؤُكُمْ} يرجع إلى المخاطبين والأنعام، مغلبا فيه المخاطبون العقلاء على الغيب مما لا يعقل، وهي من الأحكام ذات العلتين.
فإن قلت: ما معنى {يَذْرَؤُكُمْ} في هذا التدبير؟ وهلا قيل: يذرؤكم به؟ قلت: جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير، ألا تراك تقول: للحيوان في خلق الأزواج تكثير، كما قال تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ}[البقرة: ١٧٩].
قوله:(مغلبًا فيه المخاطبون العقلاء على االغيب مما لا يعقل): أوقع "العقلاء" وصفًا للمخاطبين، وجعل "مما لا يعقل" بيانًا "للغيب" حالًا منه، والمعنى: غلب الخطاب مع العقلاء في قوله: {جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} على الغيب مما لا يعقل في قوله: {جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ومِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا}، وقال:{يَذْرَؤُكُمْ}.
قوله:(من الأحكام ذات العلتين): عن بعضهم: العلتان هنا: العقل والخطاب، الانتصاف:"الصحيح أنهما حكمان متباينان غير متداخلين، أحدهما: مجيئه على نعت ضمير العقلاء أعم من كونه مخاطبًا أو غائبًا. والثاني: مجيئه بعد ذلك على نعت الخطاب، فالأول لتغليب العقل، والثاني لتغليب الخطاب".
وقال صاحب "التقريب": {فِيهِ} في هذا التدبير، وهو جعلهم أزواجًا للتوالد، و"كم" للمخاطبين والأنعام، فغلب العقلاء المخاطبين للعقل والمخاطبة.
ويمكن أن يقال: أن الضمير المؤنث في قوله: "وهي من أحكام ذات العلتين" راجع إلى التذرية في قوله: {يَذْرَؤُكُمْ} أو للصنعة، أي: هذه الصنعة من باب الأحكام ذات العلتين، إحدى العلتين: جعل الناس أزواجًا، والثانية: جعل الأنعام أزواجًا، ولهذا