للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معنى: وما عظموه كنه تعظيمه ثم نبههم على عظمته وجلالة شأنه على طريقة التخييل، فقال: {والأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ والسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والجبروت، قيل: {ومَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}. والأسلوب من باب الكناية؛ لأن تعظيمك الشيء واحترامك إياه وقيامك بواجبه مستلزم لتقديرك إياه في نفسك حق تقديره، وهو مستلزم لأن تكون قد عرفته حق معرفته، فذكر اللازم الوسط، وأريد الملزوم، كما يقال: فلان نحار؛ أي: مضياف، بدل مهزول الفصيل، ظاهر كلام المصنف على أنه من إطلاق السبب المركب على المسبب، وأن قوله: "وقدره حق تقديره" عطف تفسيري.

قوله: (على طريقة التخييل)، وعن بعضهم: التخييل: تصوير حقيقة الشيء، والتمثيل: تشبيه قصة بقصة، والاستعارة: تشبيه مفرد بمفرد أو مركب بمركب، وفيه بحث.

وقال القاضي: في الآية تنبيه على عظمته، ودلالة على أن تخريب العالم أهون شيء عليه على طريقة التمثيل والتخييل من غير اعتبار القبضة واليمين حقيقة ولا مجازًا، كقولهم: شابت لمة الليل.

الانتصاف: لفظ "التخييل" عبارة موهمة.

وقلت: المراد بـ"التخييل": التصوير؛ بأن تخيل عند ذكرك هذه الأشياء في ذهنك معنى عظمة الله، ليمتلئ قلبك رعبًا ومهابة، ويحصل لك من ذلك روعة وهزة لم تحصل من مجرد قولك: عظمة الله، كما إذا أردت أن تقول بدل "فلان جواد": "فلان كثير الرماد"، فأنت عند ذكرك " كثير الرماد" متصور كثرة إحراق الحطب، ثم كثرة الطبخ، ثم كثرة تردد الضيفان، فتجد من الروعة ما لا تجده إذا قلت: فلان جواد، والأسلوب من الكناية الإيمائية، نحوه قول البحتري:

أو ما رأيت المجد ألقى رحله .... في آل طلحة ثم لم يتحول؟

واعلم أن الإمام أورد في هذا المقام إشكالًا في سورة "طه"، وأجبنا عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>