والغرض من هذا الكلام- إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعه_ تصوير عظمته والتوقيف على كنه جلاله لا غير، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز، وكذلك حكم ما يروى: أن جبريل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا القاسم، إن الله يمسك السماوات يوم القيامة على أصبع، والأرضين على أصبع، والجبال على أصبع، والشجر على أصبع، والثرى على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبًا مما قال، ثم قرأ تصديقًا له:{ومَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية، وإنما ضحك أفصح العرب وتعجب؛ لأنه لم يفهم منه إلا ما يفهمه علماء البيان من غير تصور إمساك ولا أصبع ولا هز ولا شيء من ذلك، ولكن فهمه وقع أول شيء وآخر على الزبدة والخلاصة التي هي الدلالة على القدرة الباهرة، وأن الأفعال العظام التي تتحير فيما الأفهام والأذهان ولا يكتنهها
قوله:(ما يروي: أن جبريل عليه السلام جاءه)، وعن بعضهم: ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ، وإنما صح:"جاء حبر" و"جاء يهودي"، و"جاء رجل من أهل الكتاب".
وقلت: الحديث بتمامه رواه البخاري ومسلم والترمذي عن ابن مسعود، مع تغيير يسير، وفيه:"جاء حبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قوله:(وأن الأفعال العظام)، عطف تفسيري على "القدرة"، و"هينة" خبر "إن"، و"لا يوصل السامع" صفة "هوانًا"، و"حتى أن يعلموا" غاية عنايتهم بالمبحث، أي: ما اعتنوا بالبحث حتى يعلموا.