فيلطف به. وأما الوحي فقد كان، ولكنه عرض ولم يتبعه حتى يهتدي، وإنما يقول هذا تحيرًا في أمره وتعلالًا بما لا يجدي عليه، كما حكي عنهم التعلل بإغواء الرؤساء والشياطين ونحو ذلك، ونحوه:{لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ}[إبراهيم: ٢١]، وقوله:{بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي} ردّ من الله عليه، معناه: بلى قد هديت بالوحي فكذبت به واستكبرت عن قبوله، وآثرت الكفر على الإيمان، والضلالة على الهدى. وقرئ بكسر التاء على مخاطبة النفس. فإن قلت: هلا قرن الجواب بما هو جواب له، وهو قوله:{لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي} ولم يفصل بينهما بآية؟ قلت: لأنه لا يخلو: إما أن يقدّم على أخرى القرائن
قوله:(لأنه لا يخلو: إما أن يقدّم على أخرى القرائن)، وفي أكثر النسخ:"أخرى القرائن"، وهي أبين وأكشف، ومعنى "إحدى" وإن كانت عامة إلا أنه يريد بها غير الأولى؛ لأن الجواب لا يتقدم. قال صاحب "التقريب": إنما لم يقرن "بلى" بما هو جواب له، وهو:{أَنَّ اللهَ هَدَانِي}، لأنه لو أخر {لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي} انتقض الترتيب بين التحسر، ثم التعلل، ثم تمني الرجعة، ولو وسط "بلى" ليقترنا تبتر النظم بالفصل بين القرائن.
وقال القاضي: فصل الجواب عن السؤال، لأن تقديمه يفرق القرائن، وتأخير المردود يخل بالنظم المطابق للوجود؛ لأنه يتحسر بالتفريط، ثم يعلل بفقد الهداية، ثم يتمنى الرجعة، وهو لا يمنع تأثير قدرة الله تعالى في فعل العبد، ولا ما فيه من إسناد الفعل إليه.
وقلت: مراد المصنف أنه لم يقرن قوله: {بَلَى قَدْ جِاءَتْكَ آياتِي} مع قوله: {لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي} وهو جوابه؛ لأنه لو قرن به لا يخلو: إما أن يقدم الجواب على أخرى القرائن الثلاث، يعني: قوله: {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ}، لأن أولى القرائن:{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى}، وثانيتها:{أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي}، وآخرها:{أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ}، وإنما كانت قرائن؛ لأن كلَا منها مصدرة بالقول، ومرتبة على ترتيب أنيق، أو