إنّ السّماحة والمروءة والنّدى .... في قبّة ضربت على ابن الحشرج
ومنه قول الناس: لمكانك فعلت كذا، يريدون: لأجلك. وفي الحديث:"من الشرك الخفي أن يصلي الرجل لمكان الرجل"، وكذلك: فعلت هذا من جهتك. فمن حيث لم يبق فرق فيما يرجع إلى أداء الغرض بين ذكر المكان وتركه: قيل: {فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}، على معنى: فرطت في ذات الله. فإن قلت: فمرجع كلامك إلى أن ذكر الجنب كلا ذكر سوى ما يعطي من حسن الكناية وبلاغتها، فكأنه قيل: فرّطت في الله؛ فما معنى فرّطت في الله؟ قلت: لا بدّ من تقدير مضاف محذوف، سواء ذكر الجنب أو لم يذكر: والمعنى: فرّطت في طاعة الله وعبادة الله، وما أشبه ذلك. وفي حرف عبد الله وحفصة:(في ذكر الله). و"ما" في {مَا فَرَّطْتُ} مصدرية مثلها في: {بِما رَحُبَتْ}[التوبة: ٢٥]. {وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} قال قتادة: لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها. ومحل {وَإِنْ كُنْتُ} النصب على الحال، كأنه قال: فرّطت وأنا ساخر، أي: فرّطت في حال سخريتي. وروي: أنه كان في بني إسرائيل عالم ترك علمه وفسق، وأتاه إبليس، وقال له: تمتع من الدنيا ثم تب، فأطاعه، وكان له مال فأنفقه في الفجور، فأتاه ملك الموت في ألذ ما كان، فقال: يا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله، ذهب عمري في طاعة الشيطان، وأسخطت ربي. فندم حين لم ينفعه الندم، فأنزل الله خبره في القرآن. {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي} لا يخلو: إما أن يريد الهداية بالإلجاء أو بالألطاف أو بالوحي: فالإلجاء خارج عن الحكمة، ولم يكن من أهل الإلطاف
البرهاني، كما أن زيادًا الأعجم جعل السماحة والمروءة والندى المعرفة بتعريف الجنس في مكان ابن الحشرج، أي: في قبة مضروبة عليه في قوله:
إن السماحة والمروءة والندى .... في قبة ضربت على ابن الحشرج
فأفاد اختصاصها به بأبلغ وجه، يعني: إذا رمتها لم تجد حصة منها خارجة عن هذا المكان. وعن بعضهم: إنما سمي الشاعر بالأعجم للثغة؛ كان يبدل السين شينًا، والطاء تاء.