بيانه: أن قوله: (كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ) جملة مبتدأة بعد ذكر المشبه والمشبه به، صالحة لأن تكون بياناً لوجه التشبيه، فوجب حملها عليه، كقوله تعالى:(إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ)[آل عمران: ٥٩]، قوله:(خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ) جملة مفسرة لما له شبه عيسى بآدم، ولا فرق بينه وبين قوله:(كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) في هذا المعنى.
وأما قوله:(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) كالتعليل لحلول النكال للكفران، لما تقرر مراراً: أن اسم الإشارة في مثل هذا المقام مؤذن بأن ما بعده جدير بمن قبله لأجل اكتسابه موجبه.
وقد اعترض بين التشبيهين، وهو غير مختص بقوم فرعون وقريش، بلهو متناولٌ لجميع من يغير نعمة الله من الأمم السالفة واللاحقة، من الكفران وتكذيب الآيات. فاختصاصه بالوجه الثاني دون الأول، وإيقاعه وجهاً للتشبيه، مع وجوده صريحاً كما بينا: بعيد عمن ذاق معرفة الفصاحتين، ووقف على ترتيب النظم بين الآيتين.
قوله:(فلا يتوقع منهم الإيمان): يعني: دل قوله: (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) - لما فيه من بناء (لا يُؤْمِنُونَ) على "هم" المفيد لتقوي الحكم - على عدم توقع الإيمان منهم، وذلك لترتب هذه الجملة على قوله:(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) حيث أوقع (الَّذِينَ كَفَرُوا) - وهو معرفة - خبراً لـ (إنَّ)، وجعل اسمه (شَرَّ الدَّوَابِّ).
قال القاضي:"والفاء للعطف والتنبيه على أن تحقق المعطوف عليه يستدعي تحقق المعطوف".