وقلت: وازن المصنف بين الآيتين، وقابل بين كل من القرينتين، فقوله:" (بِآيَاتِ رَبِّهِمْ) زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق": معناه: أن قوله (كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ) في الآية السابقة مبهم لم يفهم منه أن تلك النعمة المكفورة من أي نوع من أنواع النعم؟ أهي نعمة الآيات المنصوبة أو الآيات المنزلة؟ وأن الكُفران من أي قبيل كان؟ أهو من قبيل الإعراض عن الآيات المنصوبة، أو هو من قبيل التكذيب بالآيات النازلة؟
فعُلم من هذه الآية: أن تلك النعمة هي نعمة الآيات المنزلة، وأن ذلك الكفران تكذيبها وجحود الحق، وقوله:(فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ) مشتمل لجميع أنواع التعذيب، وقوله:(وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ) نص على تعيين العذاب.
قال صاحب "الفرائد": هذا ليس بتكرير؛ لأن معنى الأول: حالُ هؤلاء كحال آل فرعون في الكفر والتكذيب، فأخذهم بالعذاب، ومعنى الثاني: حال هؤلاء كحال آل فرعون في تغييرهم النعم، وتغيير الله حالهم بسبب ذلك التغيير، وهو أنه أغرقهم، بدليل ما تقدم عليه، وهو قوله تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً) الآية. ولخص المعنى القاضي وقال:"الأول: تشبيه الكفر والأخذ، والثاني: تشبيه التغيير في النعمة بسبب تغييرهم ما بأنفسهم".
وقلت: النظم يأبى هذا القول؛ لأن وجه التشبيه في التشبيه الأول هو قوله:(كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ)، فشبه حال كفار قريش بحال فرعون ومن قبله، والوجه للتشبيه: الكفر المرتب عليه العقاب، فكذلك ينبغي أن يكون الوجه في التشبيه الثاني هو قوله:(كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ)، لأنه مثله.