للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإنه كانَ يُرفَعُ له في كلِّ يومٍ مثلُ عَمَلِ أهلِ الأرض» قالوا: وإنما كان ذلك التفكُّر في أمر اللَّه الذي هو عمل القلب؛ لأن أحداً لا يقدِر أن يعملَ بجوارحِه في اليومِ مثلَ عملِ أهلِ الأرض. (ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا) على إرادة القول، أي: يقولون ذلك. وهو في محل الحال، بمعنى يتفكرون قائلين. والمعنى: ما خلقته خلقاً باطلا بغير حكمة، بل خلقته لداعي حكمة عظيمة، وهو أن تجعلها مساكن للمكلفين، وأدلة لهم على معرفتك، ووجوب طاعتك، واجتناب معصيتك، ولذلك وصل به قوله: (فَقِنا عَذابَ النَّارِ)؛ لأنه جزاء من عصى ولم يطع. فإن قلت: هذا إشارة إلى ماذا؟ قلت: إلى الخلق على أن المراد به المخلوق، كأنه قيل: ويتفكرون في مخلوقِ السمواتِ والأرض، أي: فيما خُلق منها. ويجوزُ أن يكون إشارةً إلى السموات والأرض؛ لأنها في معنى المخلوق، كأنه قيل: ما خلقت هذا المخلوقَ العجيب باطلًا. وفي (هَذَا) ضرب من التعظيم كقوله: (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء: ٩] ويجوزُ أن يكونَ (بَاطِلًا) حالا من (هَذَا)، و (سُبْحَانَكَ) اعتراض للتنزيهِ من العَبَث، وأن يخلق شيئاً بغير حكمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (ولذلك وصل): تعليل لتفسيره (مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً) بما أدى إلى وجوب الطاعة واجتناب المعصية، يعني: دل قوله: (فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) أن المقدر ما ذكر؛ لأن الفاء الفصيحة دلت على محذوف يرتبط معها تقديره: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً) بل خلقته للدلالة على معرفتك، ومن عرفك يجب عليه أداء طاعتك واجتناب معصيتك؛ ليفوز بدخول جنتك ويتوقى به من عذاب نارك؛ لأن النار جزاء من يخل بذلك.

قوله: (فيما خلق منها) "من" في "منها": بيان "ما".

قوله: (وفي (هَذَا) ضرب من التعظيم) أي: لفظة (هَذَا)، وذلك أن المشار إليه به هو خلق السماوات والأرض، وكونهما خلقتا بحق، وما فيهما من بدائع فطرته وعجائب صنعه وحسن تدبيره مما تكل الأفهام عن إدراك بعضه، وهذه معان دقيقة لطيفة جعلت كالمحسوس المشار إليه بما يشار به إلى المدركات بالمشاعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>