للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعندَ أبي حَنيفةَ رحمَه اللَّه: أنه يستلقي حتى إذا وجد خفة قعد. ومحل عَلى جُنُوبِهِمْ نصبٌ على الحالِ عطفاً على ما قبلَه، كأنه قيل: قيامًا وقعوداً ومضطجعين (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)، وما يدلُّ عليه اختراعُ هذه الأجرامِ العظام، وإبداع صَنعتها وما دُبِّر فيها بما تكِلُّ الأفهامُ عن إدراكِ بعضِ عجائبِه على عِظَمِ شأن الصانع وكبرياء سلطانه.

وعن سفيان الثوري: أنه صلى خلف المقام ركعتين ثم رفع رأسه إلى السماء، فلما رأى الكواكب غشي عليه، وكان يبول الدم من طول حزنه وفكرته. وعن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم «بينما رجل مستلق على فراشه، إذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم وإلى السماء فقال: أشهد أنّ لك رباً وخالقاً، اللهمّ اغفر لي، فنظر اللَّه إليه فغفر له» وقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم «لا عبادة كالتفكر» وقيل: الفكرة تذهب الغفلة وتحدث للقلب الخشية كما يحدث الماء للزرع النبات، وما جليت القلوب بمثل الأحزان ولا استنارت بمثل الفكرة.

وروى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم «لا تفضلوني على يونس بن متى،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (على عظم شأن الصانع). عظم: بدل من الضمير المجرور في قوله: "وما يدل عليه"، بإعادة العامل، كقوله تعالى: (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ) [الأعراف: ٧٥]، والأولى أن لا يعطف "ما دبر" على "ما يدل عليه"، بل على "صنعتها" ويجعل "ما" في "ما دبر": موصولة، و"من" في "مما تكل": بيان "ما دبر"، لئلا يلزم الفصل بين البدل والمُبدل بالأجنبي فيؤدي إلى المعاظلة.

قوله: (لا تفضلوني على يونس بن متى) إلى آخره، الرواية عن البخاري ومسلم وأبي داود، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينبغي لأحد أني قول: أنا خير من يونس بن متى"، وعن البخاري، عن أبي هريرة: "من قال: أنا خير من يونس بن متى فقد كذب"، ورواه أبو داود، عن أبي سعيد.

فإن قلت: كيف الجمع بين هذه الأحاديث وبين ما جاء في فضائل سيد المرسلين، منها ما

<<  <  ج: ص:  >  >>