للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كنتَ تريد به مُلْكًا ملَّكْناكَ علينا، وإنْ كان هذا الذي يأتيك رِئْيًا تراه -يعني: جِنِّيًّا- لا تستطيع أنْ ترُدَّه عن نفْسِكَ طلَبْنا لكَ الطبَّ، وبذَلْنا فيه أموالَنا حتى نُبْرِئَكَ منه، فإنه ربما غلَبَ التابعُ على الرجل حتى يُداوى منه، فلما فرَغَ منه قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إلى قوله: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} الآية، فقام عُتْبة إلى أصحابه (١)، فقال بعضهم لبعض: باللَّهِ لقد جاءكم أبو الوليد بغير وجهه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءَكَ؟ قال: سمعتُ قولًا ما سمِعْتُ بمِثْلِه قطُّ، واللَّهِ ما هو بشِعْرٍ ولا سِحْرٍ ولا كَهانةٍ، يا مَعْشَرَ قريش، أطيعوني وخَلُّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فقالوا: واللَّهِ سحَرَكَ بلسانه، فقال: هذا رأيي لكم، فاصنعوا ما بدا لكم (٢).

وعن جابر بن عبد اللَّه: أنَّ أبا جهل والملأَ مِن قريش بعثوا عُتْبة بن ربيعة إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال له: أنتَ يا محمد خيرٌ أم هاشمٌ؟! أنتَ خيرٌ أم عبد المطلب؟! فبِمَ تَشْتِمُ آلهتنا وتُضَلِّلُ آباءنا؟! فإنْ كنتَ تريد الرياسة عقَدْنا لكَ فكنتَ رأسًا ما بقِيتَ، وإنْ كنتَ تريد الباءةَ زوَّجْناكَ عشرَ نِسْوةٍ تختارها مِن أيِّ بنات قريش شئتَ، وإنْ كنتَ تريد المال جمعنا لكَ مِن أموالنا ما تستغني (٣) به أنتَ وعقِبُكَ مِن بعدكَ، فلما فرَغَ قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إلى قوله: {فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً} الآية، فأمسَكَ عُتْبة على فيه وناشدَه بالرَّحِمِ أنْ يكُفَّ، فرجَعَ إلى أهله ولم يخرُجْ إلى قريش، واحتبَسَ عنهم، فقال أبو جهل: يا


(١) في (ر): "قومه".
(٢) رواه ابن إسحاق في "السيرة" (ص: ٢٠٨)، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (١٨٥)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (٢/ ٢٠٥).
(٣) في (ف): "تستعين".