للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مَعْشَرَ قريش، واللَّهِ ما نرى عتبة إلا وقد صبَأَ، فأتوه، فقال أبو جهل: واللَّهِ يا عُتْبةِ ما حبَسَكَ عنا إلا وأنَّكَ قد صَبَوْتَ إلى محمد وأعجبَكَ أمرُه، فغضِبَ وأقسَمَ ألا يُكلِّمَ محمدًا أبدًا، وقال: إني أتيتُه فقصَصْتُ عليه القصة، فأجابني واللَّهِ بقولٍ ليس بشِعْرٍ ولا بسِحْرٍ ولا كَهانةٍ، فأمسكْتُ على فيه وناشدتُه بالرَّحِمِ على أنْ يكُفَّ، وقد علِمْتُم أنَّ محمدًا إذا قال شيئًا لم يكذبْ، فخِفْتُ أنْ يَنْزِلَ بكم العذاب (١).

وقال الكلبي: إنَّ قريشًا قالت لعُتْبة بن ربيعة -وكان مِن أحسن الناس حديثًا-: إئتِ محمدًا فكلِّمْه، وانظرْ ماذا يردُّ عليكَ فأعلِمْنا به، فأتاه وهو في الحَطِيم، فلم يترُكْ شيئًا إلا قال له، ثم أجابه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقرأ عليه: {حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حتى انتهى إلى قوله: {فَإِنْ أَعْرَضُوا} الآية، فوثَبَ عُتْبة فَزِعًا مَخافةَ أنْ يُصَبَّ عليه العذابُ الذي خوَّفَه به، فأتى قومه مَذْعورًا، فأخبرَهم بما قال لمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبما ردَّ عليه محمد، فقالوا له: فما فهِمْتَ منه كلمةً واحدة؟ قال: لا، ولم أَهْتَدِ لجوابه، قال عثمان بن مَظْعون: ذلك واللَّهِ لتعلَموا أنه مِن رب العالمين، فلا تستطيعون جوابَه، وتابعَه رجالٌ مِن المسلمين على ذلك حين عَلَتْ أصواتُهم، ثم تفرَّقوا يلعَنُ بعضهم بعضًا، فقال الحارث بنُ عَلْقمة بنِ عبد الدار بنِ قصي بنِ كِلاب عند ذلك: لقد أفسدَ هذا الرجل -يعني: محمدًا- ذاتَ بينِنا، وفرَّقَ كلمتَنا، وايمُ اللَّهِ، لئِنْ بَقِيَ وبقِيتُم لَيكونَنَّ بطنُ الأرض خيرًا لكم مِن ظَهْرها، وإنما يتبيَّنُ لكم ذلك إذا خرَجَ مِن عندكم فانتهى إلى غيركم، فعند ذلك تنقطِعُ سبيلُ غزاتكم (٢)، فذروه ما تركَكم.

* * *


(١) رواه السمرقندي في "تفسيره" (٣/ ٢٢١)، والثعلبي في "تفسيره" (٨/ ٢٨٩)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (٢/ ٢٠٣).
(٢) في (ف): "غيراتكم".