للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تقرير الأسئلة والجواب عنها في مسألة على قواعد الجدل واصطلاح أهله، ولم أر ذلك إلا في الكتب الجدلية والطرائق الخلافية، وسبب ذلك ضعف مواد الأكثر عن تحقيقه، وحرصهم على ترجيح قولهم بغير طريقة) (١). بل قال أبو حامد الغزالي (ت ٥٠٥ هـ): (والمشاغب المناظر في أكثر الأمر إذا أفحم استمر على اعتقاده وأحال بالقصور على نفسه، وقال: لو كان صاحب مذهبي حيًّا وحاضرًا لقدر على الانفصال عنه، وأكثر ما ذكره المتكلمون في مناظراتهم مع الفرق جدليات، وهكذا ما يجري في مناظرات الفقه. ولذلك لا تنكشف مناظرة عن تنبُّهٍ برجوعه عن مذهبه إلى غيره) (٢).

ومع هذا فقد انتهى إلينا من أخبار الفقهاء المناظرين من أخلاق الكمال في مجالس المناظرة ما يشرح الصدر ويبهج الخاطر، مما يحفز المتفقهين للاقتداء بهم والاهتداء بجميل آدابهم.

وقد تقدم غير مرة ذكر سبق الإمام الشافعي (ت ٢٠٤ هـ) وعنايته البالغة في مجال المناظرة، حتى كان يعلم أصحابه ويدربهم عليها، بل قال فيه محمد بن عبد الله بن عبد الحكيم (ت ٢٦٨ هـ): (ما علَّم الناس الحجاج إلا الشافعي) (٣)، وقال فيه يونس بن عبد الأعلى (ت ٢٦٤ هـ): (كان يناظر الرجل فلا يزال يناظره حتى يقطعه، ثم يقول لمناظره: تقلَّد أنت الآن قولي وأتقلد قولك. فيتقلد المناظر قوله ويتقلد الشافعي قول المناظر، فلا يزال يناظره حتى يقطعه)، ولما ناظر محمد بن الحسن (ت ١٨٩ هـ) بمكة قال له محمد: (يا أبا عبد الله، إن ناظرتني بقولك خصمتني، وإن ناظرتني بقولي خصمتني) (٤).

واشتهر الشافعي بذلك حتى قال له الفضل بن الربيع (ت ٢٠٨ هـ) وزير الرشيد مرة: أحب أن أسمع مناظرتك للحسن بن زياد اللؤلؤي (ت ٢٠٤ هـ)، فقال الشافعي: ليس اللؤلؤي في هذه الجهة، ولكن أحضر بعض أصحابي يكلمه


(١) علم الجذل (٧).
(٢) ميزان العمل (٣٥٣).
(٣) مناقب الشافعي، البيهقي (١/ ٢٠٨).
(٤) مناقب الشافعي، البيهقي (١/ ١٧٩ - ١٨٠).

<<  <   >  >>