للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أصناف العلم، ويناظر بعضهم بعضًا) (١). وقال الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ): (أستحبُّ أن يخص يوم الجمعة بالمذاكرة لأصحابه في المسجد الجامع وإلقاء المسائل عليهم، ويأمرهم بالكلام فيها والمناظرة عليها) (٢)، ثم أسهب في ذكر آداب الترقي بالمتفقه في درجات المناظرة. وكان هذا الترقي يجري بإشراف ومتابعة من الأساتذة وتعاهد منهم لطلبتهم. قال أبو الحسن البيهقي (ت ٥٦٥ هـ) متحدثًا عن نفسه: (ثم مات والدي في سلخ جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وخمسمائة، فانتقلت في ذي الحجة سنة ثمان عشرة إلى مرو، فقرأت على تاج القضاة أبي سعد يحيى بن عبد الملك بن عبيد الله بن صاعد، وكان ملكًا في صورة إنسان، وعلّقت من لفظه كتاب الزكاة والمسائل الخلافية ثم سائر المسائل على غير الترتيب، وخضت في المناظرة والمجادلة سنة جرداء، حتى رضيت عن نفسي فيه ورضي عني أستاذي) (٣).

وجاء في ترجمة القاضي أبي بكر بن زرب القرطبي (ت ٣٨١ هـ) أنه كان عليه مدار طلبته في المناظرة (٤). ومثل ذلك قيل في أبي جعفر بن رزق الأموي القرطبي (ت ٤٧٧ هـ) (٥). ووُصف قطب الدين النيسابوري (ت ٥٧٨ هـ) بأنه كان معروفًا بالفصاحة والبلاغة وتعليم المناظرة (٦).

وهذا التعليم كان له جانبان: علمي وأخلاقي، ولكل منهما جانبان: تنظيري وتطبيقي، فيتعلم المتفقه آداب البحث والمناظرة، ثم يكتسب الدربة في مجالس شيوخه ونظرائهم ويتخلق بأخلاقهم. وقد أفاض العلماء في بيان آداب المناظرة وأخلاق مجالسها، وإن كان ارتسام قانونها على الوجه الأكمل مما يعز وجوده. قال نجم الدين الطوفي (ت ٧١٦ هـ): (ولا يقدر اليوم أحد على


(١) رياضة المتعلمين (١٧٩).
(٢) الفقيه والمتفقه (٦٥١).
(٣) معجم الأدباء، ياقوت (٤/ ١٧٦٠).
(٤) انظر: ترتيب المدارك، القاضي عياض (٤/ ١٨٣).
(٥) انظر: الصلة، ابن بشكوال (١/ ١٠٩).
(٦) انظر: طبقات الشافعية الكبرى، السبكي (٧/ ٢٩٨).

<<  <   >  >>