للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بحضرتك، فقال: أو ذاك (١).

وكذلك أبو حنيفة (ت ١٥٠ هـ) من قبل كان يدرب أصحابه على المناظرة ويعلمهم إياها، وهذا أمر مشهور في سيرته وتعليمه، ومن أمثلة ذلك ما رواه محمد بن الحسن (ت ١٨٩ هـ) قال: كان أبو حنيفة قد حمل إلى بغداد، فاجتمع أصحابه جميعًا وفيهم أبو يوسف (ت ١٨٢ هـ) وزفر (ت ١٥٨ هـ) وأسد بن عمرو (ت ١٩٠ هـ) وعامة الفقهاء المتقدمين من أصحابه، فعملوا مسألة أيدوها بالحجاج وتنوَّقوا في تقويمها وقالوا: نسأل أبا حنيفة أول ما يقدم، فلما قدم أبو حنيفة كان أول مسألة سئل عنها تلك المسألة، فأجابهم بغير ما عندهم، فصاحوا به من نواحي الحلقة: يا أبا حنيفة، بلدتك الغربة! فقال لهم: رفقًا رفقًا، ماذا تقولون؟ قالوا: ليس هكذا القول، قال: بحجة أم بغير حجة؟ قالوا: بل بحجة، قال: هاتوا، فناظرهم فغلبهم بالحجاج حتى ردهم إلى قوله، وأذعنوا أن الخطأ منهم، فقال لهم: أعرفتم الآن؟ قالوا: نعم، قال: فما تقولون فيمن يزعم أن قولكم هو الصواب وأن هذا القول خطأ؟ قالوا: لا يكون ذلك، قد صح هذا القول، فناظرهم حتى ردهم عن القول، فقالوا: يا أبا حنيفة، ظلمتنا والصواب كان معنا، قال: فما تقولون فيمن يزعم أن هذا القول خطأ والأول خطأ والصواب في قول ثالث؟ فقالوا: هذا ما لا يكون، قال: فاستمعوا واخترع قولًا ثالثًا، وناظرهم عليه حتى ردهم إليه، فأذعنوا وقالوا: يا أبا حنيفة، علمنا، قال: الصواب هو القول الأول الذي أجبتكم به لعله كذا وكذا، وهذه المسألة لا تخرج من هذه الثلاثة الأنحاء، ولكل منها وجه في الفقه ومذهب، وهذا الصواب فخذوه وارفضوا ما سواه (٢).

ومن الحكايات التي تصف مجلسًا من مجالس تعليم المناظرة ما حكاه تاج الدين السبكي (ت ٧٧١ هـ) من أن بعض الفقهاء اجتمعوا إليه وسألوه أن يطلب من أبيه الشيخ تقي الدين (ت ٧٥٦ هـ) أن يسمعهم المناظرة على طريق


(١) انظر المناظرة في: طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (٢/ ٨٠).
(٢) فضائل أبي حنيفة، ابن أبي العوام (١١١).

<<  <   >  >>