للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وغيرها من البلاد، فعقدت له فيها المناظرات والمجادلات مع من كان فيها من الأفاضل والأعيان، فناظر الفقهاء في بخاري في مسائل كثيرة، فمنها مناظرته حول كتاب ((شفاء العليل)) لأبي حامد الغزالي (ت ٥٠٥ هـ)، ومناظرته في خيار المجلس، والتكليف بما لا يطاق، كما ناظر في صومعة الغزالي في طوس حول كتاب ((المستصفى)) لأبي حامد، وغير ذلك (١). وكذلك علاء الدين الباجي (ت ٧١٤ هـ) كان له في المناظرة الباع الواسع، و (كان إليه مرجع المشكلات ومجالس المناظرات)، وبه تخرَّج تقي الدين السبكي (ت ٧٥٦ هـ)، وكان تقي الدين بن دقيق العيد (ت ٧٠٢ هـ) وشيخ الإسلام بن تيمية (ت ٧٢٨ هـ) يعظمانه ويجلانه، وذُكر أنه كان يقول لابن تيمية: تكلم نبحث معك، فيقول له: مثلي لا يتكلم بين يديك، أنا وظيفتي الاستفادة منك (٢). ومن المناظرين أبو بكر الدينوري البغدادي (ت ٥٣٢ هـ) الذي برع وتقدم في المناظرة على أبناء جنسه، حتى قال فيه شيخ الشافعية أسعد الميهني (٥٢٧ هـ): (ما اعترض أبو بكر الدينوري على دليل أحد إلا ثلم فيه ثلمة) (٣). وقيل مثل ذلك في ترجمة سيف الدين المقدسي (ت ٥٨٦ هـ) الذي وصفه الموفق (ت ٦٢٠ هـ) بأنه كان (حسن الكلام في المناظرة) مع صغر سنه ووفاته في شبيبته (٤). والأمثلة على هذا من فقهاء المذاهب لا تحصى كثرة، ومن الملاحظ الذي لا تخطئه عين المستقريء لأخبار الفقهاء وتراجمهم أن وصف الفقيه بأنه من أهل المناظرة يرتبط في أحوال كثير جدًا مع وصفه بالبراعة والتقدم في الفقه، وما ذاك إلا لما مضت الإشارة إليه من أن المناظرة من شأن المتقدمين في الفقه والنظر (٥).


(١) انظر: مناظرات فخر الدين الرازي في بلاد ما وراء النهر (٧).
(٢) انظر: طبقات الشافعية الكبرى، السبكي (١٠/ ٣٣٩).
(٣) الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (١/ ٤٢٨).
(٤) انظر: الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (٢/ ٣٨١).
(٥) انظر على سبيل المثال: الجواهر المضية، ابن أبي الوفاء (٢/ ١٢٩) وفي (٣/ ٥٢)، الديباج المذهب، ابن فرحون (١/ ١٦٧)، طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (٥/ ١٥١) وفي (٦/ ٦٤) وفي (٧/ ١٠١) وفي (٧/ ١٢٧)، الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (١/ ٣٢) وفي (١/ ٣٩٢) وفي (١/ ٤٤٨) وفي (٢/ ٤٠) وفي (٣/ ١٥٠).

<<  <   >  >>