للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الكوفيين (١)، حتى دخلها تلامذة مالك كعلي بن زياد (ت ١٨٣ هـ) والبهلول بن راشد (ت ١٨٣ هـ) وعبد الله بن غانم (ت ١٩٠ هـ) وأسد بن الفرات (ت ٢١٣ هـ) ثم جاء بعدهم سحنون (ت ٢٤٠ هـ) وتولى قضاءها ونشر علم مالك فيما هنالك. ومع ذلك فقد ظل مذهب أبي حنيفة (ت ١٥٠ هـ) ظاهرًا ثَمَّ حتى جاء المعز بن باديس (ت ٤٥٤ هـ) فحمل أهل المغرب على التمسك بمذهب الإمام مالك، وحسم مادة الخلاف في المذاهب واستمر الحال على ذلك الشأن (٢).

والمقصود من ذكر مثل ذلك أن الحافز على انبعاث مجالس المناظرة في هذه الأقاليم التي غلب عليها مذهب واحد، أقل منه في أقاليم المشرق التي تزاحمت فيها المذاهب، فكان من أثر ذلك انصراف فقهاء المالكية هناك إلى جانب التفريع والتطبيق كالعمليات والماجريات والوثائق والأقضية والنوازل (٣)، وظلَّت المناظرة في أحوال كثيرة باقية عندهم في مذهب مالك نفسه، وتعقد لأجل ذلك المجالس ويجتمع لها الفقهاء، كما جرى من إقامة المنصور بن أبي عامر (ت ٣٩٢ هـ) لمجلس يجتمع له الفقهاء في قرطبة للمناظرة في الموطأ، فكان يحضره ابن العطار (ت ٣٩٩ هـ) فيقصِّر أكثرهم عن شأوه في تدقيق معانيه وغريبه (٤). ومن ذلك مجالس القاضي أبي الوليد بن رشد (ت ٥٢٠ هـ) مع أصحابه للمناظرة في المدونة، حيث قال في فاتحة كتابه ((المقدمات


(١) انظر: ترتيب المدارك، القاضي عياض (٢/ ٨٥).
(٢) انظر: وفيات الأعيان، ابن خلكان (٥/ ٢٣٤). وانظر في شأن انتشار مذهب مالك في إفريقية وما وراءها: نفح الطيب، المقري (٢/ ٤٥)، المذهب المالكي بالغرب الإسلامي، نجم الدين الهنتاتي (٣٧)، المدخل لدراسة الفقه المالكي، أحمد ذيب (٢١٩)، المذهب المالكي النشأة والموطن، د. محمد الغرياني (٢٢).
(٣) انظر: الوثائق والأحكام بالمغرب والأندلس في القرنين الرابع والخامس الهجريين، د. إدريس السفياني (١/ ١١)، الجدل الفقهي عند مالكية بغداد، د. محمد العلمي، ضمن بحوث ملتقى القاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي (٢/ ١١٩). ولا يعني هذا بحال انصراف مالكية المغرب والأندلس التام عن المناظرة والجدل، ولكنها مقارنة في الاهتمام والعناية بينهم وبين الفقهاء في المشرق، ولمزيد اطلاع في ذلك يمكن الرجوع إلى كتاب د. محمد العلمي ((المستوعب لتاريخ الخلاف العالي ومناهجه عند المالكية)).
(٤) انظر: ترتيب المدارك، القاضي عياض (٤/ ٢٠٢).

<<  <   >  >>