للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أبو الطيب عند ذلك: وهذا أبو إسحاق (ت ٤٧٦ هـ) من تلامذتي ينوب عني) ثم شرع في حكاية المناظرة، وأبو إسحاق هو الشيرازي (١).

ومن الملاحظ لمن تتبع مجالس المناظرات أن العناية بها في المشرق أعظم وأكثر من العناية بها المغرب، والكثير مما هنالك نقله أمثال أبي الوليد الباجي (ت ٤٧٤ هـ) والقاضي أبي بكر بن العربي (ت ٥٤٣ هـ) بعد رحلتهما إلى المشرق (٢)، والمعوَّل عند المالكية قبلهما في الحجاج والمناظرة والجدال عن مذهبهم على مالكية العراق، كالقاضي إسماعيل (ت ٢٨٢ هـ) وأبي بكر الأبهري (ت ٣٧٥ هـ) والقاضي أبي بكر الباقلاني (ت ٤٠٣ هـ) والقاضي عبد الوهاب بن نصر (ت ٤٢٢ هـ)، وسبب ذلك أن المدافعة بين الفقهاء في المشرق أكثر، فالمذاهب موفورة في مختلف الأقاليم، والفقهاء هناك يلتقون فيتناظرون ويتناقشون (٣)، بخلاف المغرب الذي ظهر عليه مذهب الإمام مالك (ت ١٧٩ هـ) حتى غلب على فقهائه، فانمحى مذهب الأوزاعي (ت ١٥٧ هـ) الذي حمله جند الشام إلى الأندلس منها بدخول زياد بن عبد الرحمن الملقب بشبطون (ت ٢٠٤ هـ) ويحيى بن يحيى الليثي (ت ٢٣٤ هـ) وعيسى بن دينار (ت ٢١٢ هـ) وأضرابهم، ولم يبق فيها كبير مزاحم إلا ما كان من أمر الظاهرية، لا سيما زمن أبي محمد بن حزم (ت ٤٥٦ هـ) الذي اشتهرت مناظراته مع أبي الوليد الباجي (ت ٤٧٤ هـ) في جزيرة ميورقة شرقيَّ الأندلس بدعوة من والي الجزيرة (٤). وأما إفريقية فكان أكثر الفقهاء أول الأمر فيها على مذهب


(١) نقلها تاج الدين السبكي في: طبقات الشافعية الكبرى (٤/ ٢٤٥).
(٢) انظر: مقدمة ابن خلدون (٥/ ٢٠٣).
(٣) انظر: المستوعب لتاريخ الخلاف العالي ومناهجه عند المالكية، د. محمد العلمي (١/ ١٦٣)، الجدل الفقهي عند مالكية بغداد، د. محمد العلمي، ضمن بحوث ملتقى القاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي (٢/ ١٢٠).
(٤) انظر استعراضًا سريعًا لمناظرات ابن حزم مع مالكية الأندلس ثم مع أبي الوليد الباجي الذي عاد من رحلته إلى المشرق متقنًا للجدل في: مناظرات في أصول الشريعة الإسلامية بين ابن حزم والباجي، د. عبد المجيد تركي (٥٣)، الظاهرية والمالكية وأثرهما في المغرب والأندلس في عهد الموحدين، د. عبد الباقي عبد الهادي (٤٩).

<<  <   >  >>