للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والزوايا والخوانق، حيث يجتمع الفقهاء والمتفقهون المقيمون فيها والواردون عليها من شتى الأمصار، فيتناظرون ويتناقشون ويحمل كلٌّ عن الآخر علم بلده (١).

ومن الأماكن التي تعقد المناظرات فيها كذلك مجالس الخلفاء والأمراء. وفي خلفاء المسلمين وملوكهم جمٌّ غفير لهم اهتمام بالعلم وإدمان للبحث والمطالعة والمجالسة مع العلماء والفقهاء، في مسائل العلم عامة، وفيما تمس حاجتهم إليهم لتدبير الناس وسياستهم خاصة، وكثيرًا ما تحتوي قصورهم على مكتبات خاصة تكون عونًا ومرجعًا لمثل تلك المجالس (٢)، وربما حضروا مجالس المناظرة بين الفقهاء أو عقدوها في الأماكن العامة كالجوامع والمدارس، وقد مضى ذكر المناظرات بين الإمام مالك (ت ١٧٩ هـ) وتلاميذه مع القاضي أبي يوسف (ت ١٨٢ هـ) بحضرة هارون الرشيد (ت ١٩٣ هـ) في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم (٣)، ويصف المقريزي (ت ٨٤٥ هـ) مجلسًا للمناظرة عقده السلطان المؤيد (ت ٨٢٤ هـ) في جامعه بالقاهرة بمناسبة إجلاس قاضي القضاة شمس الدين الديري الحنفي (ت ٨٥٥ هـ) على سجادة مشيخة الصوفية وتدريس الحنفية، فيقول: (ثم استدعي الديري وألبس خلعة واستقر في المشيخة وتدريس الحنفية، وجلس بالمحراب، والسلطان وولده عن يساره، والقضاة عن يمينه، ويليهم مشايخ العلم وأمراء الدولة، فألقى درسًا تجاذب فيه أهل العلم أذيال المناظرة حتى قرب وقت الصلاة ثم انفضوا) (٤).


(١) انظر: الأربطة في مكة المكرمة منذ البدايات حتى نهاية العصر المملوكي، د. حسين شافعي (٢٥٤) الحركة الفكرية في خراسان في القرن السادس الهجري، د. منيرة سالم (١٦٥)، خانقاوات الصوفية في مصر في العصرين الأيوبي والمملوكي، د. عاصم رزق (١/ ٣٠).
(٢) انظر: الحياة الفكرية والعلمية في أقاليم الخلافة الشرقية، د. علي مفتاح (١٦٣)، المجالس العلمية، د. خلود الجنابي (٢١٣)، المكتبات في الإسلام، د. محمد ماهر حمادة (٨٦).
(٣) انظر على سبيل المثال: ترتيب المدارك، القاضي عياض (١/ ٢٢٢)، المستوعب لتاريخ الخلاف العالي ومناهجه عند المالكية، د. محمد العلمي (١/ ١٤١).
(٤) السلوك لمعرفة دول الملوك (ج ٤، ق ١/ ٥٠٩).

<<  <   >  >>