للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلينا شيءٌ منها، كما أنه يَستعملُه في "الذّيل والتكملة" أحيانًا، كقولِه: "وقد تعاطَى جماعةٌ من الشّعراء تذييلَ بيتَي الحريريِّ بما كان سكوتُهم عنه أصوَنَ لافتضاحِهم وأستر، وإخلادُهم إلى حضيض العَجْز عن مُساماتِه في أوْج إجادتِه أولى بهم وأجدَر، فمن مُطيل غير مُطِيب، ومجُيل فكْرَه في استدعاءِ ما ليس له بمُجيب، ومن مقصِّر لو أبصَر لأقصَر، ولو أنصف، لَما تكلَّف، وقد أثبَتُّ هنا من ذلك بعضَ ما وقَع إليّ منه، وإن كان من حقِّه الإضرابُ عنه، واستودعتُه هذا الموضعَ تَقِيّةً عليه من الضيَّاع، ورجاء في إفادة مستشرفٍ للاستفادة به والانتفاع".

ويقولُ بعدَ إيراد تذييل لأبي زيد التّميليّ: "وحسْبُك بما في هذا التذييل، من الدَّعوى غير المستندةِ إلى دليل، والاغترار المؤدّي إلى الفضيحة، والتشبُّع بما يَحمِلُ على إجهادِ الخاطر وكدِّ القريحة".

ثم يقولُ إثرَ تذييلٍ لأبي إسحاقَ الكانميّ: "ولا يَعزُبُ التعزيزُ بمثلِ البيتِ الأول من هذَيْن البيتَيْن على أدنى مقيمي وَزْن الشّعر ومُقترضيه، إذا غَفَلَ عن انتقادِ منتقديه واعتراض مُعترضيه، فإنّ صدرَ طرفَيْه من عجزُهما منقول، فالتعزيزُ بمثله مرذول، وعقدُ الثقة بما أشبَهَه محلول".

ويقولُ بعَد ذلك: "فقد وَضُحَ بهذا كلِّه أنّ الحريريَّ هو الذي دانَ الاختراعُ للبدائع والإنشاء، وأنّ براعةَ مَعْلَمِه مُعلمة أنّ الفضلَ بيد الله يؤتيه من يشاء؛ ولله هو! فقد نصَحَت إشارتُه وزَجَرت مُناهضيه، ونَصَعت عبارتُه فنَهَرت إذْ بَهَرت مُعارضيه، حين ترنَّم ونسيمُ أسحار سِحر بيانِه يُطربه، واستيلاؤه على سُرُر السّرور بإجادتِه يؤمِنُه أن يُسامى مَرْقاه أو يُسامَتَ مَرْقَبُه ... فكلٌّ كَلَّف نفسَه شططًا، وقَنَعَ أن يأتيَ من القول سَقَطًا، {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: ٢٨] " (١).


(١) الذيل والتكملة ١/الترجمة ١٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>