للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن نماذج شعرِه الذي يغلِبُ عليه الطابَعُ الفقهيُّ قولُه في المدح:

يا مَن يقيسُ به سِواه في النّدى ... ألغَيْتَ في النظرِ اعتبارَ الجامعِ

هذا يجودُ وفي الموانع كثرةٌ ... وسواهُ ضَنّ معَ ارتفاعِ المانعِ

وفي البيتَيْن -كما هو واضح- ألفاظُ الفقهاء الأصُوليِّينَ وعباراتهم، وفيهما مِصداقٌ لكلام ابن خلدون الذي يقولُ فيه: "ولهذا كان الفقهاءُ وأهلُ العلوم كلُّهم قاصِرينَ في البلاغة وما ذلك إلّا لِما يَسبِقُ إلى محفوظِهم ويمتلئُ به من القوانين العلميّة والعباراتِ الفقهية ... " (١)، وكان ابنُ عبد الملك -فيما يبدو- معجَبَا بهذا اللّون من الشّعر، ويشهَدُ لذلك قولُه في ترجمة ابن عَمِيرة: "وكان يُملِّحُ كلامَه نظمًا ونثرًا بالإشارة إلى التواريخ، ويودعُه إلماعاتٍ بمسائلَ علميّة منوَّعةِ المقاصِد تشهَدُ بتمكُّنه في المعارف على تفاريقها" (٢)، فقد عَدّ حَشْوَ الشّعر بالمسائل العلميّة شيئًا مليحًا، وهذا هو الذوقُ الغالبُ في المشرق والمغرب يومئذٍ. ولابن عبد الملك شعرٌ تعليميٌّ هو من قَبيل النَّظم الذي تُقيَّدُ به القواعد وتُحفَظُ فيه المسائل، كنظمِه تاريخَ مولدِه وقد ذُكر، ونَظْمِه الترتيبَ المَشْرقيَّ للحروف الهجائية:

ألمَّ بَرْوضي تَجْنِ ثَمّ جنَى حَيا .... خلا دَرَّ ذي ريٍّ زكا سَقْيُه شُرْبا

صَفا ضِمنَ طَلٍّ ظَلّ عندَ غِنًى فَشا ... قِرى كِيلَ لي من نَهْي وَدْقٍ هَمَى سُحْبا

وقد عقّب على هذَيْنِ البيتَيْن بقوله: "وعُذر التكلُّف في مثلهما لا يخفَى على مُنصف".

وأمّا نثرُه فمنه نثرٌ مرسَل، وهو الذي نجدُه في تراجم "الذّيل والتكملة"، ومنه نثر مسجوع، وبه كان يُحبِّرُ رسائلَه الإخوانيّة في أغلب الظنّ، إذ لم يصلْ


(١) المقدمة.
(٢) الذيل والتكملة ١/الترجمة ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>