للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بخلق العالم أو التأليف في التأريخ العام الذي يبدأ بظهور الإسلام، وهو الأغلب، وبذلك انتعشت تلك النظرة القديمة الإنسانية التي تقوم على أن التأريخ هو حوليات عن البشر، ولو أنه لم يقم بأى تحقيق جديد لتأريخ القرون الأولى. زد على هذا أن اتجاه العالم باد في ذلك الجهد الذي أنفق في سبيل الجمع بين الحوليات السياسية والحوليات القائمة على التراجم، وهو أمر مشاهد في الأخبار المحلية المتقدمة مثل تأريخ دمشق لابن القلانسى المتوفى سنة ٥٥٥ هـ (١١٦٠ م). ولا شك في أن الحيز النسبى الذي يفرده المؤلف لهذه الحوليات أو تلك يتبع هواه. ففي بعض التواريخ (انظر ابن الجوزي والذهبي وابن دقماق) تطغى أخبار الوفيات على الحوادث السياسية حتى لتتضاءل هذه وتقتصر في الغالب على جمل قليلة مقتضبة، والأمر على عكس ذلك في تأريخ الكامل المشهور الذي ألفه عز الدين بن الأثير المتوفى سنة ٦٣٠ هـ (١٢٣٣ م). ويتميز هذا الكتاب بما بذله المؤلف من محاولة سرد التأريخ بأسلوب يجعله أقرب إلى الحياة منه إلى الجمود. وآية ذلك أنه حشد الحوادث في روايات وأدخلها جميعا في إطار من الحوليات. ولئن كشف الفحص الدقيق عن أن هناك عيوبا في طريقة تناول ابن الأثير لمواد كتابه فإن رشاقة هذا الكتاب وما امتاز به من إشراق قد أكسباه شهرة باكرة، وجعلا منه ذلك المرجع العمدة الذي استقى منه المصنفون المتأخرون.

وقد يجمل بنا أن نذهب إلى أن إحياء فكرة الخلافة على الناس كافة كانت من بين الأسباب التي أوحت بهذا الاتجاه العالمى. ولكن جمهرة من المؤرخين المتأخرين بالغوا في احتذاء هذا المثل، وأكثر هؤلاء يعتمد اعتمادا كبيرا على ابن الأثير (انظر ابن واصل، وسبط ابن الجوزي، وابن العبرى، وابى الفداء، وبيبرس بن المنصورى، وابن كثير، واليافعى) ولو أنهم كانوا يكملون مقتبساتهم بمواد محلية وأخرى أحدث عهدا. وقد أبدى بعض المؤلفين شيئًا من الاستقلال، وشاهد ذلك للك الحوليات التي ألفها صاحب الموسوعة المصري شهاب الدين النويرى المتوفى عام ٧٣٢ هـ (١٣٣٢ م) وابن الفرات