أولًا: بعد أن خَرَّج الحاكم حديث الأوزاعي هذا، قال:((وقد تابع محمد بن عمرو بن علقمة- الأوزاعي على روايته هذه عن الزهري على هذه الألفاظ)).
ثم ساق الحاكم حديث ابن عمرو عن الزهري عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش في شأن استحاضتها، وإحالتها على تمييز الدم بلونه! ! (المستدرك عقب رقم ٦٢٧).
فأوهم كلامه أن كلًّا من الأوزاعي وابن عمرو قد تابع الآخر، مع أن أحدهما جعله في شأن أم حبيبة، والآخر جعله في شأن فاطمة. فهما حديثان لامرأتين مختلفتين، وبسياقتين مختلفتين أيضًا! !
وإن كان يعني بكلامه أن كلا الحديثين شاهد للآخر! ففيه نظر أيضًا؛ إذ لا يصح الاستشهاد لحديث الأوزاعي بحديث ابن عمرو، ولا العكس؛ لأمرين:
الأول: أن لفظ حديث ابن عمرو صريح في رد فاطمة إلى تمييز الدم باعتبار لونه. بخلاف لفظ حديث الأوزاعي، فليس فيه ذكر للون الدم أصلًا، وإن كان معناه يحتمل الرد إلى التمييز، فهو أيضًا يحتمل الرد إلى العادة، كما بيَّنَّاه تحت حديث فاطمة المخرج فيما سبق.
الثاني: أن حديث ابن عمرو فيه زيادة الوضوء، وليست في حديث الأوزاعي.
هذا فضلًا عن كون أحدهما منكرًا، والآخر شاذًّا، فلا يصح الاستشهاد بحال.
فإن قيل: ألم يقل أبو داود في (السنن عقب رقم ٢٨٥) عقب إعلاله لحديث الأوزاعي: ((وحديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه شيء يقرب من الذي زاد الأوزاعي في حديثه؟ ! )).