للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أي: أمر وزيره هامان ومدبر رعيته ومشير دولته أن يوقد له [١] علي الطين، ليتخذ له آجُرًّا لبناء الصرح، وهو القصر المنيف الرفيع -كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَقَال فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَه مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيدُ فِرْعَوْنَ إلا فِي [٢] تَبَابٍ﴾، وذلك لأن فرعون بنى هذا الصرح الذي لم يُرَ في الدنيا بناء أعلى منه إنما أراد بهذا أن يظهر لرعيته تكذيب موسى فيما زعمه من دعوى إله غير فرعون؛ ولهذا قال: ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾. أي: في قوله إن ثَمَّ ربًّا [٣] غيري، لا أنه كذبه في أن الله أرسله، لأنه لم يكن يعترف بوجود الصانع، فإنه قال: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالمِينَ﴾ وقال: ﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيرِي﴾ وهذا قول ابن جرير وقوله: ﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَينَا لَا يُرْجَعُونَ﴾، أي: طغوا وتجبروا، وأكثروا في الأرض الفساد، واعتقدوا أنه لا معاد ولا قيامة، ﴿فَصَبَّ عَلَيهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ ولهذا قال هاهنا: ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾، أي: غرقناهم [٤] في البحر في صبيحة واحدة، فلم يبق منهم أحد، ﴿فَانْظُرْ كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾، أي: لمن سلك وراءهم وأخذ بطريقتهم، في تكذيب الرسل وتعطيل الصانع ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ﴾ أي: فاجتمع عليهم خزي الدنيا موصولًا بذل الآخرة، كما قال تعالى: ﴿أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ﴾ وقوله: ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾، أي: وشرع الله لعنتهم ولعنة ملكهم فرعون علي ألسنة المؤمنين من عباده المتبعين رسله، وكما أنهم في الدنيا ملعونون علي ألسنة [٥] الأنبياء وأتباعهم، وكذلك ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾، قال قتادة: وهذه الآية الكريمة [٦] كقوله تعالى: ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾.

﴿وَلَقَدْ آتَينَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣)

يخبر تعالى عما أنعم به علي عبده ورسوله موسى الكليم -عليه من ربه الصلاة والتسليم- من إنزال التوراة عليه بعد ما أهلك فرعون وملأه.

وقوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى﴾: أنه بعد إنزال التوراة لم يعذب أمة بعامة، بل أمر المؤمنين أن يقاتلوا أعداء الله من المشركين، كما قال: ﴿وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ


[١]- سقط من: ز، خ.
[٢]- سقط من: ز، خ.
[٣]- في ز، خ: "رب".
[٤]- في ت: "أغرقناهم".
[٥]- في ز، خ: "لسان".
[٦]- سقط من: ز، خ.