للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما سأل ذلك قال اللَّه تعالى: ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾، أي [١]: سنقوي أمرك ونعز جانبك بأخيك الذي سألت له أن يكون نبيًّا معك؛ كما قال في الآية الأخرى: ﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى﴾، وقال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾ ولهذا قال بعض السلف: ليس أحد أعظم مِنَّة علي أخيه من موسى علي هارون فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبيًّا ورسولًا معه إلى فرعون وملئه [ولهذا] [٢] قال في حق موسى: ﴿وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ وقوله تعالى: ﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا﴾، أي: حجة قاهرة ﴿فَلَا يَصِلُونَ إِلَيكُمَا بِآيَاتِنَا﴾ أي: لا سبيل لهم إلي الوصول إلي أذاكم [٣] بسبب إبلاغكما آيات الله، كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ إلي قوله: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ أي: وكفى بالله ناصرًا ومعينًا ومؤيدًا. ولهذا أخبرهما أن العاقبة لهما ولمن اتبعهما في الدنيا والآخرة، فقال: ﴿أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾، كما قال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَويٌّ عَزِيزٌ﴾، وقال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ ووجه ابن جرير على أن المعنى: ﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيكُمَا﴾، ثم يبتدئ فيقول: ﴿بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾، تقديره: أنتما ومن اتبعكما الغالبون بآياتنا (١٨).

ولا شك أن هذا المعنى صحيح، وهو حاصل من التوجيه الأول، فلا حاجة إلي هذا، واللَّه أعلم.

﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إلا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقَال مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧)

يخبر تعالى عن مجئ موسى وأخيه هارون إلي فرعون وملئه وعرضه ما آتاهما الله من المعجزات الباهرة والدلالات القاهرة، علي صدقهما فيما أخبرا عن اللَّه ﷿ من توحيده واتباع أوامره، فلما عاين فرعون وملؤه ذلك وشاهدوه وتحققوه، وأيقنوا أنه من الله، عدلوا بكفرهم وبغيهم [٤] إلي العناد والمباهتة، وذلك لطغيانهم وتكبرهم عن اتباع الحق فقالوا:


(١٨) تفسير الطبري (٢٠/ ٤٨).