للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شره، ففزغ الله ما كان في قلب موسى وجعله في قلب فرعون، فكان إذا رآه بال كما يبول الحمار.

وقوله: ﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّك﴾، يعني: إلقاءه العصا وجعلها حية تسعى، وإدخاله يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، دليلان قاطعان واضحان علي قدرة الفاعل المختار، وصحة نبوة من جرى هذا الخارق على يديه؛ ولهذا قال: ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ أي: وقومه من الرؤساء والكبراء والأتباع ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ أي: خارجين عن طاعة الله، مخالفين لدين الله.

﴿قَال رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قَال سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (٣٥)

لما أمره الله تعالى بالذهاب إلي فرعون، الذي إنما خرج من ديار مصر فرارًا منه وخوفًا من سطوته، ﴿قَال رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا﴾، يعني ذلك القبطي ﴿فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ أي: إذا رأوْني. ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾، وذلك أن موسى كان في لسانه لثغة، بسبب ما كان تناول تلك الجمرة، حين خُير بينها وبين التمرة أو الدرّة [فأخذ الجمرة] [١] فوضعها علي لسانه، فحصل فيه [٢] شدة في التعبير، ولهذا قال: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ أي: يؤنسني فيما أمرتني به من هذا المقام العظيم وهو القيام بأعباء النبوة والرسالة إلي هذا الملك المتكبر الجبار العنيد؛ ولهذا قال: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا﴾ أي [٣]: وزيرًا ومعينًا ومقويًا لأمري، يصدقني فيما أقوله وأخبر به عن الله ﷿، لأن خبر اثنين أنجع في النفوس من خبر واحد، ولهذا قال: ﴿إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾.

وقال محمد بن إسحاق: ﴿رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾ أي: يبين [٤] لهم عني ما أكلمهم به فإنه يفهم ما لا يفهمون.


[١]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ، ز.
[٢]- في ز، خ: "منه".
[٣]- سقط من: ز، خ.
[٤]- في ز، خ: "يتبين".