للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله تعالى: ﴿أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالمِينَ﴾، أي: الذي يخاطبك ويكلمك هو رب العالمين، الفعال لما يشاء، لا إله غيره ولا رب سواه، تعالى وتقدس وتنزه عن مماثلة المخلوقات في ذاته وصفاته، وأقواله [١] وأفعاله سبحانه.

وقوله: ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾ أي: التي في يدك. كما قرره علي ذلك في قوله: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (١٧) قَال هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾. والمعنى: أما هذه عصاك التي تعرفها؟ ﴿فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾ فعرف وتحقق أن الذي يخاطبه ويكلمه هو الذي يقول للشيء: كن، فيكون. كما تقدم بيان ذلك في "سورة طه" وقال هاهنا: ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾، أي: تضطرب ﴿كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾، أي: في حركتها السريعة مع عظم خِلْقة [٢] قوائمها واتساع فمها واصطكاك أنيابها وأضراسها، بحيث لا تمر بصخرة إلا ابتلعتها، فتنحدر في فيها تقعقع [٣] كأنها حادرة في واد. فعند ذلك ﴿وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾. أي: ولم [يلتفت] [٤]، لأن طبع البشرية ينفر من ذلك. فلما قال الله له: ﴿يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾، رجع فوقف في مقامه الأول، ثم قال الله له: ﴿اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيبِكَ تَخْرُجْ بَيضَاءَ مِنْ غَيرِ سُوءٍ﴾. أي: إذا أدخلت يدك في جيب درعك ثم أخرجتها فإنها تخرج تتلألأ، كأنها قطعة قمر في لمعان البرق. ولهذا قال: ﴿مِنْ غَيرِ سُوءٍ﴾، أي: من غير برص [٥].

وقوله: ﴿وَاضْمُمْ إِلَيكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ﴾، قال مجاهد: من الفزع. وقال قتادة: من الرعب. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وابن جرير: مما [٦] حصل لك من خوفك من الحية.

والظاهر أن المراد أعم من هذا، وهو أنه أمر إذا خاف من شيء أن يضم إليه جناحه من الرهب وهي يده، فإذا فعل ذلك ذهب عنه ما يجده من الخوف، وربما إذا استعمل أحد ذلك علي سبيل الاقتداء فوضع يده علي فؤاده، فإنه يزول عنه ما يجد أو يَخف إن شاء الله، وبه الثقة.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا الربيع بن ثعلب الشيخ الصالح، أخبرنا أبو إسماعيل المؤدب عن عبد الله بن مسلم، عن مجاهد، قال: كان موسى قد مُلئ قلبه رعبًا من فرعون، فكان إذا رآه قال: اللهم إني أدرأ بك في نحره، وأعوذ بك من


[١]- سقط من: خ، ز.
[٢]- في ت: "خلق".
[٣]- في ت: "تتقعقع".
[٤]- ما بين المعكوفين في ت: "يكن يلتفت".
[٥]- في خ: "مرض".
[٦]- في ز: "ما".