للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: لا تسجد لي يا سلمان، واسجد للحي الذي لا يموت، وهذا مرسل حسن.

[وقوله تعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ﴾، أي: اقرن بين حمده وتسبيحه] [١]، ولهذا كان رسول الله، ، يقول: "سبحانك اللهم رَبَّنا وبحمدك! ". أي: أخلص له العبادة والتوكل، كما قال تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا﴾ وقال: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيهِ﴾، ﴿قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيهِ تَوَكَّلْنَا﴾.

وقوله: ﴿وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا﴾، أي: لعلمه التام الذي لا يخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة.

وقوله: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَينَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾، أي: هو الحي الذي لا يموت، وهو خالق كل شيء وربه ومليكه، الذي خلق بقدرته وسلطانه السموات السبع، في ارتفاعها واتساعها، والأرضين السبع في سفولها وكثافتها، ﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾، أي: يدبر الأمر، ويقضي الحق، وهو خير الفاصلين.

وقوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾، أي: استعلم عنه من هو خبير به عالم به فاتبعه واقتد به، وقد عُلم أنه لا أحد أعلم بالله ولا أخبر به من عبده ورسوله محمد- صلوات الله وسلامه على سيد ولد آدم على الإِطلاق، في الدنيا والآخرة، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فما قاله فهو حق، وما أخبر به فهو صدق، وهو الإمام المحكم الذي إذا تنازع الناس في شيء وجب رَدّ نزاعهم إليه، فما يوافق أقواله وأفعاله فهو الحَق، وما يخالفها فهو مردود على قائله وفاعله، كائنًا من كان، قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾، وقال: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ وقال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ [٢] رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ أي: صدقًا في الأخبار وعدلًا في الأوامر والنواهي، ولهذا قال: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ قال مجاهد في قوله: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾، قال: ما أخبرتك من شيء فهو كما أخبرتك. وكذا قال ابن جُرَيج.

وقال شمر بن عطية في قوله: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ قال: هذا القرآن خبير به.

ثم قال تعالى منكرًا على المشركين الذين يسجدون لغير الله من الأصنام والأنداد: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ﴾ أي: لا نعرف الرحمن. وكانوا ينكرون أن يُسَمّى الله باسمه الرحمن، كما أنكروا ذلك يوم الحديبية حين قال النبي للكاتب: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم". فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم، ولكن اكتب كما كنت تكتب: باسمك اللهم. ولهذا أنزل الله ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَو


[١]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ، ز.
[٢]- في ز، خ: "كلمات".