للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾، أي: هو الله وهو الرحمن. وقال في هذه الآية: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ﴾ أي: لا نعرفه ولا نُقر به، ﴿أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا؟﴾ أي: لمجرد قولك؟ ﴿وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾؛ أما المؤمنون فإنهم يعبدون الله الذي هو الرحمن الرحيم، ويُفْرِدُونه بالإلهية ويسجدون له. وقد اتفق العلماء على أن هذه السجدة التي في الفرقان مشروعٌ السجود عندها لقارئها ومستمعها، كما هو مقرر في موضعه، والله أعلم.

﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (٦٢)

يقول تعالى، ممجدًا نفسه، ومعظمًا على جميل ما خلق في السماء من البروج -وهي الكواكب العظام [١]، في قول مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبي صالح، والحسن، وقتادة، وقيل: هي قصور في السماء للحرس، يروى هذا عن علي، وابن عباس، ومحمد بن كعب، وإبراهيم النخعي، وسليمان بن مِهْران الأعصمش، وهو رواية عن أبي صالح أيضًا، والقول الأول أظهر. اللَّهم إلا أن يكون الكواكب العظام هي قصور [٢] للحرس، فيجتمع القولان، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾؛ ولهذا قال: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا﴾، وهي الشمس المنيرة، التي هي كالسراج في الوجود، كما قال: [﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا﴾ ﴿وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾، اي: مضيئا مشرقا بنور آخر ونوع وفن آخر، غير نور الشمس] [٣]، كما قال: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا﴾، وقال مخبرا عن نوح، ، إنه قال لقومه: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾ ثم قال: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾، أي: يخلف كل واحد منهما الآخر، يتعاقبان [] [٤]، إذا ذهب هذا جاء هذا، وإذا جاء هذا ذهب ذاك، كما قال: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَينِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ﴾ وقال: ﴿يُغْشِي اللَّيلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ﴾.

وقال: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾.

وقوله: ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾، أي: جعلهما يتعاقبان، توقيتًا لعبادة عباده له، فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار، ومن فاته عمل في النهار استدركه في


[١]- سقط من: خ، ز.
[٢]- في ت: "قصورًا".
[٣]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ.
[٤]- ما بين المعكوفتين في ت: "لا يفتران".