للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(قلت): وقد يتوهم كثير من الناس هذا القول، ويذكرون في ذلك حديثًا لا أصل له: "ما ترك القاتل على المقتول من ذنب" (٣٣٣). وقد روي الحافظ أبو بكر البزار حديثًا يشبه هذا، ولكن ليس به، فقال:

حدثنا عمرو بن علي، حدثنا عامر بن إبراهيم الأصبهاني، حدثنا يعقوب بن عبد الله، حدثنا عتبة بن سعيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله : "قتل الصبر لا يمر بذنب إلا محاه" (٣٣٤).

وهذا بهذا لا يصح، ولو صح فمعناه: أن الله يكفر عن المقتول بألم القتل ذنوبه، فأما أن يتحمل [١]- على القاتل فلا، ولكن قد يتفق هذا في بعض الأشخاص، وهو الغالب، فإن المقتول يطالب الفاتل في العرصات، فيؤخذ له من حسناته بقدر مظلمته، فإن نفذت [٢] ولم يستوف حقه، أخذ من سيئات المقتول فطرحت على القاتل، فربما لا يبقي على المقتول خطيئة إلا وضعت على القاتل، وقد صح الحديث بذلك عن رسول الله في المظالم كلها (٣٣٥)، والقتل من أعظمها وأشدها، والله أعلم.

وأما ابن جرير فقال [٣]: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن تأويله: إني أريد أن


(٣٣٣) - انظر تخريجه في "قصص الأنبياء" للمصنف - بتحقيقنا - قصة آدم.
(٣٣٤) - رواه البزار في "مسنده" كما في كشف الأستار (٢/ ٢١٤) (١٥٤٥)، وقال البزار: لا نعلمه يروي عن النبي إلا من هذا الوجه، ولا نعلم أسنده إلا يعقوب. وعزاه العجلوني في كشف الخفاء (٢/ ١٦٥) لأبي نعيم والديلمي، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/ ٢٦٩) وقال: رواه البزار .. ورجاله ثقات. قلت: يعقوب بن عبد الله هو أبو الحسن القمي الذي يروي عن عنبسة بن سعيد بن الضريس قاضي الري صدوق وثقه الطبراني، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، لكن قال الدارقطني: ليس بالقوي. وقد ذكره الذهبي في كتابه "من تكلم فيه وهو موثق" وقال: صالح الحديث. والحديث له شاهد من حديث أبي هريرة رواه البزار في مسنده كما في كشف الأستار (١٥٤٤) بلفظ "قتل الرجل صبرًا كفارة لما قبله من الذنوب" وإسناده ضعيف جدًّا، فيه متروك كما في الزوئد (٦/ ٢٦٩). لكن حديث عائشة حسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (٤٢٣٦).
(٣٣٥) - ورد معنى ذلك من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: أتدرون من المفلس؟ .. الحديث رواه مسلم في صحيحه كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، الحديث (٢٥٨١) والترمذي في صفة القيامة، باب: ما جاء في شأن الحساب والقصاص الحديث (٢٤١٨)، وأحمد (٢/ ٣٠٣، ٣٣٤، ٣٧١) وابن حبان (٤٤١١)، والبيهقي (٦/ ٩٣)، والبغوي (٤١٦٤).