والإرادة -كما سبَق لنا- نَوْعان: إرادة شَرْعية وكَوْنية، وهل هما مُتلازِمان؟ لا، قد تُوجَد إحداهما بدون الأخرى، وقد تَجتَمِعان، فما هو الفَرْق بينهما حتى نَعرِف اجتِماعهما وافتِراقهما؟
أوَّلًا: الإرادة الكَوْنية تَتعَلَّق فيما يُحِبُّه اللَّه تعالى، وفيما لا يُحِبُّه، والإرادة الشرعية فيما يُحِبُّه اللَّه تعالى فقَطْ؛ فإذا قلتَ: يُريد أَيْ: شَرْعًا فمَعناه: يُحِبُّ.
ثانيًا: الإرادة الكَوْنية يَلزَم فيها وُقوع المُراد، والإرادة الشرعية لا يَلزَم فيها وُقوع المُراد.
إِذَنِ: الفَرْق من وَجْهين فقد تَجتَمِع الإرادتان في شيء، وقد تَنتَفيان جميعًا، وقد تُوجَد إحداهما دون الأخرى، فإذا سألنا شَخْصًا: ما تَقول في إيمان أبي بَكْر -رضي اللَّه عنه-؟ أهو مُرادٌ للَّه تعالى شَرْعًا أم كونًا؟ فالجَوابُ: كونًا وشَرْعًا؛ كونًا لأنه وقَع؛ وشَرْعًا لأن اللَّه تعالى يُحِبُّه، إِذَنِ: اجتَمَعَتِ الإرادتان.
وإذا قيل: ما تَقول في إيمان أبي لَهَبٍ؟ فالجَوابُ: غير مُراد كونًا ومُرادٌ شَرْعًا! فاللَّه تعالى يُريد منه أن يُسلِم.
وإذا قيل: ما تَقول في كُفر أبي بَكْر -رضي اللَّه عنه-؟ فالجَوابُ: غيرُ مُرادٍ كونًا؛ لأنه لم يَقَع، ولا شَرْعًا لأن اللَّه تعالى لا يُحِبُّه.
وما يُقال في كُفْر أبي لَهَب؟
الجَوابُ: مُرادٌ كونًا لا شَرْعًا؛ لأنَّ اللَّه تعالى لا يُحِبُّه.
فالكُفْر مُراد من اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كونًا، وأيُّ إنسان يَكفُر فقد أَراد اللَّه تعالى كُفْره كَوْنًا.