فالإِظْهار العامُّ؛ إلَّا ما ظهَر منها، والمُراد بما ظهَر منها، ما جرَتِ العادة بأنه لا بُدَّ من ظُهوره، كالجِلْباب والعَباءة وما أَشبَه ذلك، كما فسَّرَه بذلك ابنُ مَسعود -رضي اللَّه عنه- (١)، فعلى هذا يَكون الاستِثْناء في قوله تعالى:{إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} استِثْناءً مُنقطِعًا ليس مُتَّصِلًا، لأنَّ ما ظهَر ليس من الزِّينة في الواقِع، فما ظهَر وما جرَتِ العادة بظُهوره ولا بُدَّ منه هذا أَمْر ليس من الزينة، حتى لو سُمِّيَ زينةً ولباسًا؛ فإنه لا بُدَّ من ظُهوره.
أمَّا الزِّينة الأُخرى التي خَصَّها اللَّه بقَوْمٍ مُعَيَّنين فقال:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} وهذه هي الزِّينة البَاطِنَة كالثِّياب التي تكون داخِل الجِلْباب والعَباءَة، وما أَشبَه ذلك، لا يُبْدِينَهُ إلَّا لبُعولَتِهن أو آبائِهن. . . إلى آخِره.
والحاصِلُ: أنَّ التَّبرُّج لم يَأذَنِ اللَّه تعالى فيه أبدًا، فالتَّبرُّج النهيُ عنه عامٌّ.
وأمَّا التَّزيُّن للزَّوْج فهذا أَمْر مَطلوب من المَرأة أن تَتَجمَّل لزَوْجها، لما في ذلك من تَأكيد الحِكْمة التي من أَجلِها شُرِعَ الزواج كما قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم: ٢١].
ولا شَكَّ أن المرأة إذا تَجمَّلَت لزوجها بأنواع الجمال فإنَّ ذلك ممَّا يُوجِب سُكونه إليها، ومَودَّته لها، فيَكون هذا من باب تَأكيد الحِكْمة التي من أَجْلها شُرِعَ الزواج؛ ولهذا تُؤمَر المرأة بأن تَتَجمَّل لزوجها، كما أنَّ الزوج أيضًا كما قال بعض السَّلَف: إن مِن حقّها عليَّ أَنْ أَتَجَمَّل لها، كما أنَّ مِن حَقِّي عليها أن تَتَجمَّل لي، أمَّا أن يَأتيَ الزَّوج زوجَتَه كلابِسِ الخيشة، وما أَشبَه ذلك، ويُريد منها أن تُلائِمه، ويَقول: لمَ لا تَتَجمَّلين لي؟ ! وهو يَلبَس أَردَأَ اللِّباس، فهذا من غيرِ العَدْل!
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٩/ ٢٨٠)، والحاكم في المستدرك (٢/ ٢٩٧).