للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنها سبَقَتِ الإسلام، ولا يَعنِي بذلك أنها الجاهِلية المُبَاشِرة للإسلام، لأنَّ الجاهِلية المُبَاشِرة للإسلام امتِدادٌ لجاهِلية سبقَت منذ زمَنٍ بعيدِ.

فالجاهِلية الأُولى استَمَرَّت إلى أن محَاها الإسلام بالعِلْم والتَّقوى والحَمْد للَّه تعالى، ولهذا قال تعالى: {تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}، والمُراد بالإضافة هنا -كما قُلْت قبلَ قَليل- بَيان النَّوع، وما أَقبَح نوعًا يَكون جهلًا! وعلى هذا فالمُرادُ به التَّقبيح، تَقبيح هذا التَّبرُّجِ، وأنه تَبرُّجٌ مَبنيٌّ على الجَهْل والسفَهِ، والبُعْد عن الإيمان والعِلْم، والرُّشْد.

{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} أي: ما قَبْل الإسلام من إظهار النِّساء محَاسِنَهُن للرِّجال. نعَم؛ في الجاهِلية تَتَبرَّج المرأة، وتَخرُج بأَحسَن ما يَكون عِندها من اللِّباس والحُلِيِّ.

ولهذا قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: ٣١]، فهذا التَّبرُّج يَكون بنَوْع اللِّباس، ويَكون بالطِّيب، ويَكون بتَحسين البدَن بالحِنَّاء، والتَّحمير وتَسويد العَيْن بالكُحْل، وما يُسَمَّى عندنا في الوَقْت الحاضِر بالمكياج، وما يُسمَّى بالمَناكِير، وعلى هذا فقِسْ، كل هذا من التَّبرُّج الذي يُعتبر من تَبرُّج الجاهلية الأُولى.

ولهذا يَقول رَحِمَهُ اللَّهُ: [إنَّ إظهار النِّساء مَحَاسِنَهن للرِّجال، والإِظهارُ بعد الإسلام مَذكور في آية: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، رحِمَ اللَّه تعالى المُفَسِّر فإنَّ هذا ليس بصَواب منه، ما في الإسلام إظهار للزِّينة أبدًا، إلَّا في نَوْعين: النَّوْع الأوَّل: الإظهارُ العامُّ لكل أحَد، والنَّوْع الثاني: الإِظْهار الخاصِّ للبُعولة والمَحارِم.

<<  <   >  >>