للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن جرير (١): يعنيان بذلك: واجعلنا (مستسلمين) (٢) لأمرك، خاضعين لطاعتك، لا نشرك معك في الطاعة أحدًا سواك، ولا في العبادة غيرك.

وقال ابن أبي حاتم (٣): حدثنا أبي، حدثنا إسماعيل بن رجاء بن حيان الحصني القرشي، حدثنا معقل بن عبيد الله، عن عبد الكريم: ﴿وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾ قال: مخلصين لك، ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ قال: مخلصةً.

وقال أيضًا (٤): حدثنا علي بن الحسين، حدثنا المقدمي، حدثنا سعيد بن عامر، عن سلام بن أبي مطيع في هذه الآية: ﴿وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ﴾ قال: كانا مسلمين، ولكنهما سألاه الثبات.

وقال عكرمة (٥): ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾ قال الله: قد فعلت ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ قال الله: قد فعلت.

وقال السدي (٦): ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ يعنيان العرب.

قال ابن جرير: والصواب أنه يعم العرب وغيرهم؛ لأن من ذرية إبراهيم بني إسرائيل، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩)[الأعراف].

قلت: وهذا الذي قاله ابن جرير لا ينفيه السدي؛ فإن تخصيصهم بذلك لا ينفى من عداهم، والسياق إنما هو في العرب؛ ولهذا قال بعده: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩)﴾ الآية [البقرة]، والمراد بذلك محمد ، وقد بُعث فيهم كما قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [الجمعة: ٢] ومع هذا لا ينفي رسالته إلى الأحمر والأسود، (لقوله) (٧) تعالى: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨] وغير ذلك من الأدلة القاطعة.

وهذا الدعاء من إبراهيم وإسماعيل ، كما أخبر الله تعالى عن عباده المتقين المؤمنين، في قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (٧٤)[الفرقان: ٧٤] وهذا القدر مرغوب فيه شرعًا، فإن من تمام محبة عبادة الله تعالى أن يحب أن يكون من صلبه من يعبد الله وحده لا شريك له؛ ولهذا لما قال الله تعالى لإبراهيم : ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ قال: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٢٤] (وقوله) (٨): ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم: ٣٥] وقد ثبت في "صحيح مسلم" (٩)، عن أبي هريرة ، عن النبي قال:


(١) في "تفسيره" (٣/ ٧٢، ٧٣).
(٢) في (ك) و (ل): "مسلمين"!
(٣) في "تفسيره" (١٢٥٥، ١٢٥٨) ولا بأس بإسناده. وإسماعيل بن رجاء وثقه العجلي والحاكم وقال أبو حاتم: "صدوق" وضعفه العقيلي والدارقطني والساجي.
(٤) رقم (١٢٥٣) وسنده قوي. أما محقق "تفسير ابن أبي حاتم" فقال: "ضعيف الإسناد ففيه سلام بن أبي مطيع. فيه مقال". وهذا نقد عجيب، وما دخل سلام في الإسناد وهو صاحب القول؟ إنما الشأن في الإسناد إليه. والله المستعان.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (١٢٥٤) وسنده جيد. وعنده "قال: نعم" بدل "قد فعلت".
(٦) أخرجه ابن جرير (٢٠٦٢) بسند حسن.
(٧) في (ج): "كقوله".
(٨) في (ز) و (ض): "وهو قوله".
(٩) في "كتاب الوصية" (١٦٣١/ ١٤).