للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال مجاهد، عن ابن عباس: لا تضعفا (١)، والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله؛ بل يذكران الله في حال مواجهة فرعون، ليكون ذكر الله عونًا لهما عليه، وقوة لهما وسلطانًا كاسرًا له، كما جاء في الحديث: "إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مناجز قرنه" (٢).

وقوله: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٤٣)﴾ أي تمرد وعتا وتجبر على الله وعصاه ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين، كما قال يزيد الرقاشي عند قوله: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾ يا من يتحبب إلى من يعاديه فكيف بمن يتولاه ويناديه؟ (٣).

وقال وهب بن منبه: قولا له: إني إلى العفو والمغفرة أقرب مني إلى الغضب والعقوبة.

وعن عكرمة في قوله: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾ قال: لا إله إلا الله (٤).

وقال عمرو بن عبيد، عن الحسن البصري ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾ أعذرا إليه قولًا له: إن لك ربًا ولك معادًا، وإن بين يديك جنّةً ونارًا (٥).

وقال بقية، عن علي بن هارون، عن رجل، عن الضحاك بن مزاحم، عن النزال بن سبرة، عن علي في قوله: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾ قال: كَنِّه (٦)، وكذا روي عن سفيان الثوري: كنِّه بأبي مرة (٧)، والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع، كما قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ الآية [النحل: ١٢٥].

[وقوله] (٨): ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ أي: لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو يخشى؛ أي: يوجد طاعة من خشية ربه، كما قال تعالى: (لمن أراد أن يذكر أو يخشى) فالتذكر الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة.

وقال الحسن البصري: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ يقول: لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون: أهلكه قبل أن أعذر إليه، وههنا نذكر شعر زيد بن عمرو بن نفيل، ويروى لأُمية بن أبي الصلت فيما ذكره ابن إسحاق:

وأنت الذي من فضل منّ ورحمة … بعثت إلى موسى رسولًا مناديا


(١) لم أجده عن مجاهد عن ابن عباس، ولكن أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وقول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عنه، ويتقوى بسابقه.
(٢) يعني: عند القتال، هكذا أكمله الترمذي ثم قال: ليس إسناده بالقوي (السنن، الدعوات، باب ١١٩ ح ٣٥٨٠).
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن أبي حاتم.
(٤) عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن أبي حاتم.
(٥) عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن أبي حاتم.
(٦) سنده ضعيف لإبهام الراوي عن الضحاك.
(٧) عزاه السيوطي في الدر إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٨) زيادة من (ح) و (حم).